أعرف أن الزمن تجاوزنا وتخطانا، أعرف أننا بلغنا من العمر عتياً، أعرف أنه أكل علينا الدهر وشرب، أعرف أننا أصبحنا في خبر كان وأخواتها، أعرف أننا أصبحنا قاب قوسين أو أدنى!! كل هذا أعرفه وأكثر منه... ولكن مع ذلك دعونا نتحدث عن أجمل قصائد الحب في الشعر العربي، والشعر الفرنسي، وربما الشعر العالمي. وبعدئذ سوف نتحدث عن مطرب فرنسا الأكبر في هذا العصر: جورج براسنز.
لن أتحدث لكم عن نونية ابن زيدون الشهيرة التي يعرفها الجميع. ولكني سأتحدث لكم عن مقطوعة أخرى قد لا يعرفها الكثيرون. لنستمع إليها:
«ودع الصبر محبٌّ ودعك
ذائعٌ من سره ما استودعك
يقرع السِّن على أن لم يكن
زاد في تلك الخطى إذ شيعك
يا أخا البدر سناء وسنى
حفظ الله زماناً أطلعك
إن يكن قد طال ليلي فلكم
بت أشكو قصرَ الليل معك»
السؤال المطروح هنا: لماذا تمر الساعات وكأنها دقائق أحياناً؟ لماذا يتوقف الزمن؟ ثم لماذا تكاد تطلع روحك أحياناً أخرى حيث تتحول الدقائق إلى دهور؟ هناك شخص أكاد أموت إذا ما فرض علي اللقاء معه أكثر من خمس دقائق، أكاد أصاب بالسكتة القلبية... متى سنطبق نظرية النسبية لأينشتاين على الزمن؟ متى سنفهم أن الزمن نسبي؟ «في كل ثانية محيطٌ من القرون»! كما يقول هنري ميشو في بيت خارق رائع. الزمن شيء نفسي، سيكولوجي: أحياناً يمر وأحياناً لا يمر. نقطة على السطر. ثم لاحظوا معي هذا البيت:
حفظ الله زماناً أطلعك!
لكأنه يقول لها: سبحان الذي خلقك ما خلق غيرك! شكراً لك لأنك موجودة يا سيدتي، فقط لأنك موجودة. لا نريد أكثر من ذلك. نورت العالم.
هذا هو ابن زيدون. إنه يذهب دائماً إلى ما هو جوهري، ما هو أساسي. لا يضيع وقته في التفاصيل الثانوية. كان شخصاً مجروحاً من الداخل، كان شخصاً معطوباً، وكان صوته يملأ بأصدائه الأندلس كلها. كان يسجل جرحه على صفحة التاريخ ويمضي. من يستطيع أن يفهم ابن زيدون، لواعج ابن زيدون؟ من يستطيع أن يرتفع إلى مستوى ابن زيدون؟
لن أستطيع التوقف مطولاً عند أجمل قصائد الحب في الشعر الفرنسي. فهي عديدة جداً وتتجاوز مقدرتي وإمكانياتي. لكن لنذكر إحداها فقط على سبيل الذكرى: «إلى الحلوة المتعجرفة» (فيكتور هيغو). ولكن هل يمكن أن تكون الحلوة إلا متعجرفة؟ يبدو أنها استعصت عليه وحرقت أنفاسه. نقول ذلك ونحن نعرف مدى «تهورات» فيكتور هيغو ومغامراته في هذا المجال. لن ندخل فيها لأنها تتطلب مجلدات.