يقول موقع "ميديابارت" (Mediapart) إن الرهينة الفرنسية السابقة صوفي بترونين (76 عاما)، منذ إطلاق سراحها في أكتوبر/تشرين الأول 2020 وحالتها العقلية والبدنية في تدهور، وتراودها بعض الأفكار السوداء، مما يعذب ابنها سباستيان الذي أدرك أنها تتعذب وأنها "تشعر بأنها محاصرة أكثر مما كانت أيام أسرها في الصحراء".
واليوم يكشف الموقع الفرنسي قصة عودة صوفي بترونين إلى مالي، هذا البلد الذي كرست حياتها من أجله وتبنت فيه فتاة صغيرة تسمى زينب بعد أن ضاقت بأوروبا وغادرتها على إثر وفاة ابنها الثاني جان فيليب عام 2002 في "مأساة عائلية" حزينة.
ومنذ إطلاق سراحها -كما يقول تقرير أنطوني فوشار- تمكّنت صوفي التي غيرت اسمها إلى مريم من التحدث مع زينب ورأتها عبر تطبيقات الفيديو، ولكن ما تريده -كما تقول- هو "حملها بين ذراعيها وتجفيف الدموع التي تنهمر على خديها"، في كل مرة "تتحدثان فيها عبر الشاشات" بعد فراق دام 1384 يوما، خاصة وأن طلبات الحصول على تأشيرة للذهاب إلى مالي رفضت مرتين في سويسرا وفرنسا، وأن محاولات إحضار زينب إلى أوروبا "ليست بالسرعة الكافية".
عبور الحدود
في بداية مارس/آذار 2021 اختفت الرهينة الفرنسية السابقة مع ابنها مرة أخرى، ولكن هذه المرة عن قصد، قبل أن يظهرا بعد أسبوع في باماكو، حيث روت الرهينة السابقة لميديابارت هذه الرحلة "الصعبة" التي بدأت من مطار جنيف، حيث تم رصد الثنائي من قبل شرطة الحدود، لأن سيباستيان مسجل "في قاعدة الإنتربول، وصوفي لا تزال على قائمة المفقودين المطلوبين"، مما أثار حيرة المسؤولين الذين أقنعهم الولد بحاجة والدته إلى مكان مشمس بعد شتاء قارس في سويسرا.
وعلى خلاف كل التوقعات، سُمح للراكبين بالصعود متجهين إلى السنغال، إلا أنهما وجدا هناك أن فرنسا أغلقت حدودها أمام الرعايا الأجانب بسبب كوفيد-19، والسنغال تطبق مبدأ المعاملة بالمثل، وهما ليس لديهما سبب وجيه كمهمة إنسانية أو رسمية، وبالتالي كانا مخيرين بين غرامة قدرها مئة يورو لكل فرد أو العودة إلى سويسرا، فاختارا الأولى، كما يقول التقرير.
السلطات تغض الطرف
في الصباح، تستقل الرهينة السابقة وابنها حافلة متداعية ومزدحمة متجهة إلى مالي، تتسلل صوفي إلى الخلف وتتخطى بضع دجاجات، ويجد سيباستيان -الذي يلعب دور سائح- مكانا صغيرا إلى جانبها، ومن حولهما أكثر من 60 راكبا في رحلة تستمر 35 ساعة في سحابة من الغبار على طرق لم تكن دائما معبدة.
كل شيء يسير بسلاسة حتى الوصول إلى الحدود، حيث لم تعد الحافلات تتنقل من دولة إلى أخرى منذ بداية وباء كورونا، ولذلك تتوقف الحافلة قبل 5 كيلومترات من الحدود، وبين الحافلة السنغالية والحافلة المالية تقف الجمارك مع المزيد من التفتيش.
وعند نقطة التفتيش، قال الشرطي لزميله "انظر.. هذه هي السيدة معك"، إذ تعرف على صوفي وعلى ابنها بسبب ظهورهما المتكرر على شاشات التلفزيون، ثم بدأ الحديث عن الأسر والإسلام، وأكدت صوفي رغبتها الشديدة في العثور على ابنتها زينب في باماكو، قبل أن يعيد لهما الشرطي جوازيهما مع ابتسامة.
عند النهر الذي يشكل الحدود الطبيعية بين البلدين، لم يتبق سوى مركز جمركي واحد قبل عودة صوفي إلى "الوطن" ولم يعد هناك موجب للاختباء، يتم تبادل أوراق نقدية مع الشرطي عند النقطة الأخيرة، وتبدأ رحلة من 10 ساعات على الحافلة المالية المتهالكة هي الأخرى، قبل أن يصل المسافران إلى باماكو، حيث تنتظرهما شقة صغيرة مؤجرة.
إشعار بحث
تعلم صوفي -التي ودعت ابنها- أن عودتها السرية تقضي العيش في تكتم، كما تعرف أن السلطات السويسرية والفرنسية والمالية على علم بوصولها، وأنها "في الوقت نفسه دقت جميع أجهزة الإنذار في كل مكان"، ولذلك سيبقى وجودها غير رسمي، خلافا للضجة الإعلامية التي أثارها إطلاق سراحها.
وبعد بضعة أيام، تصل زينب ابنة صوفي بالتبني من منطقة غاو بعد أن حصلت بفضل مساعدة والدتها خلال أعوام الانفصال على شهادة الباكالوريا، ويتم اللقاء الذي تصفه الرهينة السابقة بأنه "شعور لا يوصف"، لتعيش الأم وابنتها "بسلام" في باماكو، إلى أن قرأت على وسائل التواصل الاجتماعي منشورا يفيد بأن إشعار بحث يوم السبت 30 أكتوبر/تشرين الأول الماضي يأمر قوات الأمن في مالي بـ"البحث بجد والقبض على السيدة صوفي بترونين".
وبحسب هذه الوثيقة، شوهدت الرهينة الفرنسية السابقة في منطقة سيكاسو بجنوبي مالي، غير أن صوفي التي لم تصدق عينيها حين قرأت هذه الوثيقة، نفت بصورة مطلقة أن تكون زارت تلك المنطقة.
وبالفعل تأكد موقع ميديابارت من أصالة هذه الوثيقة لدى وحدة الاتصالات في وزارة الأمن العام في مالي، ولكنها لم تقدم للموقع أي تفاصيل أخرى، وقالت "لدينا مخاوف وأسئلة نريد طرحها عليها"، كما رفضت السلطات الفرنسية التعليق على الموضوع.
وكالات