في يومي 24 و25 يوليو 1991، حضرت اجتماعا قبليا نظم في قرية ريفية، حضره أبرز اعيان بطون القبيلة وأطرها وبعض افرادها العاديين، من أمثالي، استجابة لدعوة وجهها لي ولغيري، المنظم الاساس للاجتماع، الذي كان هدفه تعبئة القبيلة لمناصرة اعلان تطبيق الديمقراطية الذي أعلنه ولد الطائع قبل ذلك ومساندة ترشحه للانتخابات الرئاسية التي ستنظم بداية يناير 1992.
وكان من بين أعيان القبيلة الحاضرين "حرطان" تربطه صداقة خاصة بوالدي، كما يحظي باحترام الجميع وقد طرح علي المجتمعين مشكلة تتعلق بتوظيف أبن أخيه وهو أحد شباب القبلية من شريحة لحراطين، مبرزا أن توظيفه سيضمن ولاء شباب هذه الشريحة لاختيارات القبيلة بما في ذلك مساندة مرشحها للانتخابات الرئاسية القادمة، معاوية ولد سيدي احمد الطايع، بدل مساندة المترشح لها مسعود ولد بلخير، الذي ينظر اليه كمرشح للحراطين.
وقد تعهد جميع أعضاء اللجنة المنبثقة عن الاجتماع لمتابعة تطبيق قرارته، للوجيه "الحرطان" بتلبية طلبه وكلفوني شخصيا بالاتصال بالشاب المعني فور عودتنا الي نواكشوط وقد تحمست للمهمة نظرا لاحترامي للوجيه الذي طرحها إضافة إلي حماسي لتوظيف المعني، الذي كان لي الفضل مع آخرين في تمدرسه وتمدرس اخوته بعد نزوح اسرتهم في السبعينات الي نواكشوط.
وبعد عودتي الي نواكشوط استدعيت الشاب في مكتبي بالإذاعة الوطنية بتاريخ 28 يوليو 1991، وأخبرته بما حصل وتعهد الجماعة بتلبية طلب عمه لتوظيفه، مستفسرا منه عن رغباته في ذلك، فقال لي إنه حاصل علي المتريز في القانون من جامعة نواكشوط وكل طموحه هو التسجيل في سلك المحاماة وان ذلك يتطلب ثلاثة شروط هو لا قبل له بواحدة منها وهي:
1 ـ أن يتعهد مكتب محاماة بتدريبه،
2 ـ أن يوافق الامين العام لهيئة المحامين علي طلبه،
3 ـ مبلغ 82 ألف أوقية علي كل متدرب تم قبول طلبه ان يدفعه للهيئة.
فسألته عن المحامي الذي يرغب في التدريب في مكتبه فرد علي بأنه يرغب في التدريب مع الاستاذ محمد شين ولد بوحمادو (رحمه الله)، فقلت له ابشر هذا تربطني به صداقة قوية، كما أن الأمين العام لهيئة المحامين صديق لي هو الآخر وطلبت منه ان يعود لي في اليوم المالي لأخبره برد الجماعة علي موضوع المبلغ المالي.
وفي مساء نفس اليوم التقيت بالجماعة واخبرتهم بالموضوع وباستعدادي لحل قضيتي التعهد وقبول الطلب وأن عليهم أن يقرروا طريقة جمع المبلغ وتحديد أجل لدفعه واتفقنا علي فضه علي 17 شخصا، أنا أحدهم، وحددنا من سيجمعه ويسلمه للجماعة مساء اليوم الموالي لأستلمه منها لأقدمه لصاحبه وهو ما لم يحدث ابدا نظر لرسالة وصلت الي الجماعة من أسياد أسرة الشاب الحرطان السابقين مضمونها أنهم سيعتبرون عدوا لهم كل من ساعده أو ساعد أحد افراد أسرته.
وقد تراجع الجميع عن تعهداتهم بحل مشكلة المعني استجابة لهذه الرسالة وعندما ناقشتهم رد علي صاحب النفوذ بين الجماعة، صاحب مبادرة الاجتماع القبلي بقوله: "نحن لانريد خسارة "الفلانيين" في هذه الوقت الذي نحتاج فيه لأصوات الجميع في الانتخابات" وقال آخر أن هذا الشاب "الحرطان" سيستغل مهنة المحاماة إذا ولجها ضد أسياده السابقين وضد "البظان" جميعا ولذا لا ينبغي مساعدته علي ذلك.
فكان ردي علي الجميع، أنهم التزموا لفلان (...) عم المعني بتلبية طلبه لتوظيف أبن أخيه وحملوني بمهمة ابلاغه بذلك وهو ما فعلت وعليه فإنني ملزم بالوفاء بما قلت له مهما كلفني ذلك.
وفي اليوم الموالي استدعيت المعني وذهبت معه الي مكتب الاستاذ محمد شين علي شارع جمال عبد الناصر جنوب دوار (BMD) فسلمه وثيقة التعهد بتدريبه في مكتبه وذهبنا الي مقر هيئة المحامين (غير بعيد من المسجد السعودي) ووافق الأمين العام للهيئة علي طلب ترشحه واتفقت معه علي أن يعود الي يوم 05 مارس 1991 لأسلمه المبلغ 82 ألف أوقية، الذي استلفته من محاسب الاذاعة علي ان يقتطعه دفعات من راتبي وسلمته للمعني مقابل وصل بذلك أحتفظ به إلي الآن في أرشيفي ولم ابلغه ابدا بتراجع الجماعة عن التزامها لعمه.
واصل الشاب تدريبه كمحامي وتخرج وفتح مكتبه وتغيرت ظروفه الاقتصادية، وغير هو ظروفه الاجتماعية، حيث صار يقول للجميع أنه أبن أمير من أمراء موريتانيا السابقين في إمارة (...) وأن جده كان علي راس جيش دخل أرض إمارة اخري هم في حرب معها وبسبب اندفاعه لمطاردة العدو ابتعد عن جيشه وجرح جرحا عميقا ولم يعثر عليه فرسانه فظنوا أنه أسر أو مات، فعثرت عليه جماعة من احدي القبائل (القبيلة التي عمه أحد أعيانها) في تلك الامارة ومن أجل أن لا ينكشف خبره، قال لهم انه عبد وان اصابته ناجمة عن سقوطه من ظهر دابة كان يركبها وقد عالجته تلك القبيلة واعتنت به وقد شاءت الأقدار أن يتزوج فيها من جارية وكان ذلك سبب استيطانه وذريته من بعده لأرض تلك القبيلة، حيث صنفوا من مواليها هذا حسب الرواية التي اصبح المحامي يروجها لنسبه ويجمع عليها الادلة، مع حرصه علي الابتعاد عن كل ما يمت بصلة لمجتمع لحراطين.
وعلي مدي العقدين الماضيين التقيت به مباشرة مرتين، الاولي كان عندي ملف في المحكمة فطلبت منه التعهد به فطلب مني مبلغ 20 الف أوقية لتغطية نفقات اجراءات تحريك الدعوي فدفعت له المبلغ وفي نفس اليوم تمت تسوية القضية وديا واتصلت به واخبرته بذلك وطلبت منه ترك الملف وإعادة المبلغ فطلب مني منحه مهلة يومين وأنه هو من سيتصل بي ليقدمه لي ولم يفعل وكان كل مرة يعتذر لي إذا اتصلت به وفي الأخير ترك الموضوع الي يومنا هذا، واللقاء الثاني كان في قصر العدالة، حيث قدمه لي أحد المحامين بأنه من اسرة امارة (...) وأمه جارية، فقلت له أنني اعرفه دون أن أزيده علي ذلك.
وفي كل مرة يجمعنا بالصدفة مكان عام ألاحظ أنه يتحاشاني وأنا بدوري اتحاشي احراجه وفاء لعمه الذي عرفته وأنا صبي صديق وفي لوالدي ولم أسمعه أبد يتحدث عن نسب له خارج المجتمع الذي يربطهما والفخورين به.
نقلا عن صفحة العميد ماموني ولد مختار .