حوار بين نظامين
ـ قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا، وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا...
ـ وكيف تصبر على حكم الرصانة والرزانة، وقد حسبته امتدادا لحكم الرصاصة والجهالة.
ـ وكيف تصبر على نظام إن يرد إلا الإصلاح ما استطاع إليه سبيلا، وقد أردته نظاما كدأب آل العشرية، الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون..
ـ وكيف تصبر على نظام لا يَقرب مال الشعب إلا بالتي هي أحسن، وقد سعيت جاهدا أن يقتفي معك قَصصا سيرة من يكنزون الذهب والفضة، آكلين أموال الناس بالباطل.. اللذين جعلوا "لبيوتهم سقفا من فضة"، ثم دسوها في عمد ممددة، وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا، فانظر كيف كان عاقبة المفسدين.
ـ وكيف تصبر على نظام صدق مع شعب آمن به وانتخبه والتف حوله وحصد ثمار خياره تعليما وصحة وتنمية وإصلاحا ورأفة ورحمة، ووجد فيه فرجا ومنقذا من فكي التنين، بعد أن غُلب على أمره عشر حجج، عاشها في أمر مريج، وكذب محض.
ـ وكيف تصبر على نظام لم يجاملك في فساد تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا، وقد زعمت ذات مسغبة أنك جئت منقذا مصلحا، والله يعلم المفسد من المصلح.
ـ وكيف تصبر على نظام، جاء من الشعب وحكم باسم الشعب ومن أجل الشعب، وقد أردته انت ـ ويأبى الله عن ذلك ـ أن يكون صدى للسان حالك وحال مقربيك المنادي أيام سلطانك الزائل، يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض.. تبنون بكل ريع آية تعبثون، وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون.
ـ وكيف تصبر على نظام كان الضعفاء أولى باهتمامه، وآلامهم محركا لضميره، وأمالهم تحدوا سعيه وتستحث طموحه، وقد راودته ـ حين عدت حاملا لواء المرجعية ذات ليلة ليلاء ـ ان يكون امتدادا لفلسفة حكمك، الذي سحق الضعفاء والفقراء، وآتى في أمرهم من عجائب الفساد وغرائب الإفساد بما لم تستطعه الأوائل، وأنت من صِحت في أيامك الحالكات في الملأ وعلى رؤوس الأشهاد، أنك رئيس الفقراء، وخصم المفسدين، زاعما أنك لن تخالف الناس إلى ما تنهاهم عنه، وأنك من مال الشعب ستطوي على الخُمص الحوايا، لكنك سريعا، نكصت ونكثت، ثم عدت وأدبرت وبعثت في المدائن والآفاق حاشرين، يبسطون أيدي البغي والجور على الأرض وما أخرجه ظاهرها، وينقبون عما اكتنزه باطنها، فما تركت من فضلة معادن ولا حصاد مزارع، ولا شاة بفيفاء، ولا قفر ولا حضر، بل ما تركت عليها من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام، إلا ولك فيها نصيب معلوم، وحظ مشؤوم، وما استنكفت منها عن مُنخقة ولا موقوذة ولا متردية ولا نطيحة، حتى بات لديك من الاموال ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولى القوة، وحين سالوك من أين لك هذا ، عبست وبسرت، وأنكرت إلا من حفارة، ثم بعدها أدبرت واستكبرت واعترفت بان لديك مالا ممدودا، وقلت بصلف عهد عنك وعنجهية علمت منك، "إنما أوتيته على علم عندي".
نعم لقد قالها لك نظام الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني صراحة لا مواربة، كما قالها لك الشعب جهارا وعلانية، هذا فراق بيني وبينك... وذلك تأويل ما لم تستطع عليه صبرا.