إعلانات

الصين تطمح إلى «الانسجام السماوي» في الفضاء

سبت, 26/06/2021 - 10:34

أطلقت الصين الخميس الماضي مركبة «شينتشو - 12» وعلى متنها ثلاثة رواد فضاء في صاروخ «لونغ مارش - 2FY12» من مركز جيوغوان لإطلاق الأقمار الصناعية في منغوليا الداخلية. وكانت هذه الدفعة الأولى من رواد الفضاء الذين سيصلون إلى وحدة «تيانهي» (تعني «الانسجام، أو التناغم، السماوي» باللغة العربية) التي تزن 22 طناً وأطلقت إلى مدار الأرض المنخفض في أبريل (نيسان)، وتنتظر حالياً تجميعها وبناءها في المدار لاستكمال محطة «تيانغونغ» الصينية الفضائية بحلول العام المقبل.

محطة فضائية صينية

تلعب «تيانهي» دور مركز الإدارة والتحكم وتتسع لثلاثة رواد فضاء يقضون مدة تتراوح بين ثلاثة وستة أشهر، والتي ستكون أطول إقامة فضائية لرواد صينيين في مدار الأرض المنخفض إذا ما تكللت بالنجاح. وكانت الإقامة الأطول السابقة لرواد فضاء صينيين في مدار الأرض المنخفض، استمرت لثلاثة وثلاثين يوما على متن وحدة «تيانغونغ 2». وتجدر الإشارة إلى أن «تيانهي» هي أكبر سفينة فضائية بنتها الصين وأطلقتها إلى الفضاء حتى يومنا هذا.

ومن المفترض أن تتصل الوحدتان المخبريتان الإضافيتان «وينتيان» (وتعني بالعربية «طلب السماء») و«منغتيان» (وتعني بالعربية «الحلم بالسماء») بـ«تيانهي» بحلول عام 2022، ليبلغ وزنها مجتمعة 66 طناً. وبعد التحام المركبات الفضائية بـ«تيانهي» خلال بعثات التحميل ونقل البعثات البشرية الأخرى، سيرتفع الوزن حتى 100 طن. صممت محطة «تيانغونغ» الفضائية لتدوم عشر سنوات، ويمكن تمديد فترة خدمتها حتى 15 سنة بتنفيذ الصيانات والتعديلات اللازمة. وفي ظل الحديث عن تقاعد المحطة الفضائية الدولية التي ينتهي تمويلها في عام 2024، يبدو أن المحطة الصينية ستكون الخيار الوحيد للوجود البشري والبحث العلمي في مدار الأرض المنخفض بعد هذا التاريخ.

قدرات الصين الكونية

تعتبر محطة «تيانغونغ» الفضائية تطوراً مهماً جداً في البنية التحتية الفضائية الصينية.

> أولاً، تعتزم الصين تطوير قدراتها لتجميع محطة فضائية على شكل حرف «T» اللاتيني مؤلفة من وحدات عدة، وللتوصل إلى سبل لدعم الحياة البشرية في مدار الأرض المنخفض لفترات طويلة. وسيتعلم الرواد الصينيون القيام بنشاطات خارج المركبات، والعمل مع الأذرع الميكانيكية لتنفيذ عمليات التركيب والاختبار والتحديث في المدار. وفي تصريح رسمي له، قال باي لينهو، نائب رئيس قسم تصميم المحطة الفضائية الصينية في الأكاديمية الصينية لتكنولوجيا الفضاء، والتي تعمل تحت إشراف شركة الصين للعلوم والتقنيات الجوفضائية: «سنتعلم كيف نجمع ونشغل ونصون المركبات الفضائية في المدار، ونعتزم تحويل «تيانغونغ» إلى مختبر فضائي بمستوى حكومي يدعم الإقامة الطويلة لرواد الفضاء والتجارب والتطبيقات العلمية والتقنية العالية المستوى... ومن المتوقع أيضاً أن تساهم هذه المحطة في تطوير واستخدام الموارد الفضائية سلمياً بالتعاون مع دول أخرى، بالإضافة إلى تعزيز التقنيات والتجارب الخاصة باستكشافات الصين المستقبلية في الفضاء العميق». وسيعمد رواد الفضاء الصينيون للمرة الأولى إلى إعادة تدوير البول وتحويله إلى مياه مقطرة، وزيادة صفائها لاستخدامها في التوليد الكهربائي للأكسجين. تعتبر هذه الخطوة جديدة بالنسبة للصين منذ إرسالها لأولى بعثتها البشرية الأولى إلى محطة «تيانغونغ 2» ومعها مخزون من المياه والأكسجين من الأرض، لأن إقامة روادها كانت قصيرة. ولكن البعثات التي ستمتد لستة أشهر تتطلب نظاماً أكثر تطوراً للحياة الفضائية. تساعد إعادة تدوير المياه في تخفيف عبء سفن الشحن، وتقلص التكاليف التشغيلية للمحطة الفضائية.

غزو القمر

> ثانياً، سيساهم تطوير تقنيات المحطة الفضائية لتشمل نظام دعم حياتي في توسيع قدرات الصين الفضائية لتحقيق أهدافها على القمر، والتي تتضمن قاعدة روبوتية للأبحاث وتواجدا بشريا على سطحه. وأضاف باي في تصريحه: «يعتبر نظام الدعم الحياتي ضرورةً لا غنى عنها لرواد الفضاء للبقاء على القمر أو استكشاف الفضاء العميق. سنطور هذه التقنية خطوةً بخطوة، بدءاً من إعادة تدوير المياه والأكسجين في «تيانغونغ»، وصولاً لزراعة الخضراوات والمحاصيل في الفضاء لتحقيق اكتفاء ذاتي تدريجي من الغذاء».

> ثالثاً، يتمتع بناء المحطة الفضائية الصينية بأهمية استراتيجية دولية لأنه يؤمّن بديلاً للمحطة الفضائية الدولية لإجراء الأبحاث العلمية في الفضاء وإطلاق رواد فضائيين من دول حليفة للصين. وكانت الصين، بالتعاون مع مكتب الأمم المتحدة لشؤون الفضاء الخارجي، قد أطلقت في مايو (أيار) 2018، دعوة لاستضافة الراغبين بإجراء تجارب علمية في محطتها الفضائية. اختارت الصين تسعة من أصل 42 طلبا قدمت لهذه الغاية من مؤسسات في بلجيكا والصين وفرنسا، وألمانيا، والهند، وإيطاليا، واليابان، وكينيا، وهولندا، والنرويج، والمكسيك، وبولندا، والبيرو، وروسيا، والمملكة العربية السعودية، وإسبانيا، وسويسرا. يسعى مقدمو هذه الطلبات إلى إجراء أبحاث في مجالات عدة أبرزها الطب، والهندسة الحيوية، والجاذبية الصغرى، وآثار الإشعاعات الفضائية، وزراعة النبات. ومن المقرر أن تستضيف محطة «تيانغونغ» 14 منفذا داخليا، و50 منفذا خارجيا للتجارب العلمية الفضائية.

طاقة شمسية فضائية

> رابعاً، ستساعد اللوجيستيات المخصصة للبناء والتجميع في المدار في تطوير محطة فضائية صينية شاملة ترقى إلى مستوى الأهداف التي حددتها الدولة في بناء أقمار صناعية عاملة بالطاقة الشمسية في المدار الأرضي الجغرافي المتزامن، وإرسال بعثات مستقبلية إلى القمر والمريخ والكويكبات. لعب نظام «بيدو» الملاحي الذي طورته الصين مثلاً، دوراً أساسياً في إطلاق والتحام سفينة الشحن الفضائية «تيانزو 2» التي حملت حوالي 6.8 طن من المؤن، مع وحدة «تيانهي» في 29 مايو (أيار) الفائت. وعلى عكس «تيانزو 1» التي احتاجت ليومين للوصول وتطلبت مساعدة بشرية للالتحام مع «تيانغونغ 2» في عام 2017، نجحت «تيانزو 2» في إرشاد نفسها آلياً والالتحام مع «تيانهي» في غضون ثماني ساعات من إطلاقها، باستخدامها بيانات الموقع التي قدمها نظام «بيدو». يدل قصر مدة الالتحام هذا على تمتع الصين بقدرة على الاستجابة السريعة في حالات الطوارئ، واتخاذ إجراءات الإغاثة في الكوارث، وإنقاذ رواد الفضاء عندما تقتضي الحاجة. علاوةً على ذلك، تساهم فترات الالتحام القصيرة في تقليص الكلفة، وتعزيز إمكانية جمع عدد أكبر من العينات البيولوجية، التي تهدف مجتمعة إلى تطوير قدرات روبوتية دائمة وناضجة، بالإضافة إلى نظام من الدعم الحياتي الحيوي المتجدد في الفضاء، وهو ما تعمل الصين لتحقيقه.

> خامساً، سيكون للمحطة الفضائية الصينية مرفآن للرسو سيتصلان بكبسولتين تحتويان على مختبرين، وبثلاثة مرافئ للالتحام في وحدة «تيانهي». ويهدف هذا الأمر إلى مساعدة الصين في تطوير قدرات الالتحام المتزامن الضرورية وإضافة وحدة إضافية للمحطة الفضائية إذا استدعت الحاجة.

> سادساً، تسعى الصين، وإلى جانب بناء محطتها الفضائية الخاصة، إلى إطلاق وحدة منظار «كسونتيان» (تعني بالعربية «مسوحات السماوات»)، الذي يوازي منظار «هابل» الشهير دقة، ولكن بمجال رؤية أكبر بثلاثمائة مرة. يملك هذا المنظار قدرات كثيرة، أبرزها القدرة على رصد الكويكبات القريبة من الأرض، لتحقيق أهداف الصين في التعدين والدفاع الكويكبي. علاوة على ذلك، من المقرر أن يستقر «كسونتيان» في مدار مواز للمحطة الفضائية وأن يتمتع بقدرة الالتحام معها بغية تسهيل عمليات الصيانة وإعادة التزود بالطاقة وتقليل كلفتها.

* خدمات «تريبيون ميديا»