أفضل ما يبحث عنه الموريتانيون على العموم، والمزارعون على الخصوص، هو الطحين، وأسوأ ما يريدونه هو سماع جعجعات بلا طحين.
فمنذ مشكل الكركارات، اقتنع الرأي العام الموريتاني أن الاكتفاء الذاتي من الخضروات بات بعيد المنال رغم تطمينات وزير التنمية الريفية السيد الدي ولد الزين، ورغم خرجاته الإعلامية الكثيرة التي تتحدث عن واقع آخر، على كوكب آخر، من مجرة أخرى غير التي يعيش عليها الموريتانيون.
ففي آخر خرجة له على قناة "الموريتانية"، أكد الوزير أن قطاعه "عاكف على وضع خطط ودراسات وسياسات بناءة وطموحة في مجال الثروة الحيوانية والزراعة حيث سيقوم قطاعه بتحسين السلالات وتنظيم شركات الألبان وتطويرها، وكذلك تشجيع المنمين عبر إنشاء مراكز تجميع الألبان لضمان تسويق وسهولة توفير المنتج".
والحقيقة أن عبارة "نحن عاكفون" ملّها المواطنون، فما بعد السنة إلا الأكل!!. إنهم يريدون اليوم عبارات من قبيل "نحن أنتجنا" و"نحن حققنا" و"نحن صدّرنا"، بدلا من البقاء في قبضة الغد الذي لا يأتي أبدا. فأين توفير المياه في أماكن المراعي الطبيعية التي تعاني من شح الماء؟ وأين حفر عشرات الآبار وتنظيمها وتسييرها؟ وأين توفير الأعلاف ودعم زراعتها؟ وأين ضخ الأموال في الأنشطة المدرة للدخل في المناطق الزراعية؟ وأين برامج تطوير الزراعة المطرية والمروية؟ وأين البنى التحتية الزراعية؟ وأين تقليل تكاليف الإنتاج وأين زيادة الإنتاج نفسه؟ وأين وفرة السدود الضامنة لزيادة الإنتاج والاكتفاء الذاتي على مستوى الأرياف؟ وأين السماد؟ وأين الإجراءات الجادة لمكافحة الآفات؟ وأين تطوير المعدات الزراعية؟ وأين العدد الكافي من الحاصدات والجرارات وآليات التقشير؟ وأين السياجات والمضخات؟..
لقد فشلت وزارة التنمية الريفية في إنقاذ الحملة الزراعية الماضية بسبب بطء وعدم جدوائية تدخل القطاع في القضاء على الفئران والديدان التي التهمت آلاف الهكتارات بمنطقة يصل طولها 80 كلم شرقي روصو، ومع ذلك يزيد وزير التنمية الريفية من وتيرة خرجاته الإعلامية معلنا أن قطاعه "سيعمل وفق رؤية فخامة رئيس الجمهورية، السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، المتبصرة من أجل توفير ظروف عيش كريم للسكان"، متناسيا أن رؤية رئيس الجمهورية تقوم على تطوير المنتوج الزراعي في شمامه، والتنمية المستديمة في الواحات، والمضي نحو استصلاح الأراضي، وتخريج الأخصائيين، وتطوير أداء البيطرة، وحماية المراعي من الحرائق. غير أن الوزير، بدلا من القيام بعمل ملموس يعود بالنفع على الزراعة والتنمية الحيوانية، نجده، خلال اجتماع في مدينة ألاك مع المزارعين والمنمين بولاية البراكنه، يقول بأن الحكومة "عاكفة على البحث عن أنجع السبل للقضاء على كل مظاهر الغبن والتهميش عبر وضع استراتيجيات واضحة المعالم تسهم في تحسين المستوى المعيشي". وهكذا تعود دندنة الغد ومفردة "عاكفون" لتقتل آمال اليوم في رؤيتنا لإنجازات ملموسة تتجاوز بها البلاد منظومة التخلف على المستوى الزراعي خاصة أن الأرض الصالحة لكل أنواع الزراعات متوفرة على نطاق واسع.
مهما يكن، وبعد كل التساؤلات السابقة، فإن السؤال الأبرز يبقى: إلى متى سنظل "عاكفين"، سيادة الوزير؟.
نقلا عن موقع الوئام .