إعلانات

الوظيفة العمومية والأبواب المفتوحة ....... الأستاذ : محمدن ولد الرباني

أحد, 28/06/2015 - 11:17
الأستاذ : محمدن ولد الربانى

 افتتحت أمس بالمركز الدولي للمؤتمرات بانواكشوط الأيام المفتوحة على الوظيفة العمومية والعمل وعصرنة الإدارة بمناسبة اليوم العالمي للوظيفة العمومية. تناول اليوم الأول الوظيفة العمومية تاريخا وواقعا ومساعي للإصلاح، مركزة على قانون 09|93 الصادر بتاريخ 18 يناير 1993 بوصفه الإطار العام لإصلاح الوظيفة العمومية وإثراء لهذا النقاش وخاصة أنه يأتي بين يدي مراجعة جديدة تعتزمها الحكومة لهذا القانون وهي فرصة لئلا يقتصر التعديل على السماح بالتعاقد مع فئتي (أ) و(ب) بل أن يشمل تلافي أهم المآخذ على النظام الحالي. إن إخفاق إصلاح 93 في تحقيق أهدافه راجع إلى جملة قضايا اسم بها نصا أو تطبيقا نجملها فيما يلي: الإصلاح الخداج ليس من المبالغة في شيء أن نقول إن النظام الأساسي ولد خداجا أو ميتا وما ذلك إلا بسبب انعدام الإرادة السياسية في جعله إصلاحا حقيقيا. لقد كان من أهم أهداف الإصلاح وأسسه التي ارتكز عليها إصدار النظم الخاصة المنظمة لأسلاك الموظفين ومنذ المصادقة على القانون 18 يناير 1993 لم تعرف هذه النصوص طريقا إلى الوجود حتى سنة 2006 أي بعد 13 سنة من صدور النظام الأساسي، ورغم التأخر الطويل جاء أغلب هذه النصوص المكملة معيبا بشكل شديد، مما جعلها مرفوضة من قبل العمال والنقابات القطاعية وتسبب في عدة تظاهرات احتجاجية (اعتصامات-إضرابات قصيرة-‘ضراب طويلة وصلت 45 يوما في التعليم الثانوي مثلا) مما ألزم الحكومة بتجميد النص وإخضاعه للمراجعة من جديد ومروره بالمجلس الأعلى للوظيفة العمومية سنة 2012 ليرتمي في دهاليس الحكومة لا يدرى ما الله قاض فيه. ولئن كان بعض النصوص تمت المصادقة عليه من قبل الحكومة على الهيئة المقبولة عماليا كنظام أسلاك الصحة الذي صادقت عليه الحكومة 2008 فإنه ما يزال غير مطبق كما هو شأن كافة النظم. ولم يقتصر التجميد على النصوص التكميلية بل طال تصنيف الموظفين وفئاتهم وهكذا طلت تلك الفئات محكومة بتصنيفات ما قبل قانون 1993. نظام الرواتب الشاذ شهدت الفترة التي أعقبت صدور قانون الوظيفة العمومية جمودا في الرواتب والمحفزات بصورة غريبة ويكفي أن نتصور أن أستاذ تعليم ثانوي من سلك ثان لم يستفد طيلة 10 سنوات زيادة تبلغ 10% في حين بلغت نسبة التضخم في تلك الفترة في المواد الأساسية حدود 200%. ومع إدراك السلطات ضرورة توجيه بعض التحفيزات إلى الوظيفة العمومية برز اختلال في نظام الرواتب حيث بقيت الرواتب على مستوى عال من الجمود بينما عرفت بعض القطاعات علاوات ضخمة مما جعل نظام الرواتب الموريتاني فريدا من نوعه يمكن اعتباره نظام علاوات لا رواتب عكس المألوف والمعروف عالميا إذ تعتبر العلاوة مجرد تحفيز لا تمثل إلا نسبة ضئيلة من الراتب أما في بلادنا فإن الوظائف التي يتمتع أصحابها بدخل حسن إلى متميز هي تلك الوظائف التي تتمتع بعلاوات رفيعة (الوزراء-الأمناء العامون-الإدارة الإقليمية- إدارة المالية -القضاء-التعليم العالي) في حين بقيت غالبية الموظفين أي أكثر من 90% تكابد أعباء الحياة برواتب وعلاوات زهيدة وهو ما ظل طاردا عن الوظيفة العمومية لكل من يجد مندوحة عن الالتحاق بها. يضاف إلى كل ذلك غيابوتوفير السكن وضعف الضمان الصحي والاجتماعي عموما. الترقية والتحويلات الزبونية المسيسة تعتبر التحويلات والترقيات المناسبة للعمر والمؤهل الوظيفيين من أهم ما يشغل باب الموظف ويؤثر على عطائه وتتأثر به سلبا وإيجابا علاقته بالعمل وإخلاصه له، وقد ظلت الإدارات تجري تحويلات الموظفين وترقياتهم تبعا لمعايير قمنا تمت إلى الموضوعية والفنية بصلة مما زاد من الإحباط لدى عمال الوظيفة العمومية وجعلهم يسلكون السبل الموصلة إلى الترقية والمتمثلة في المحسوبية السياسية أو الاجتماعية أو الصفقات المشبوهة. الشراكة المزاجية رغم أن من أهداف إصلاح الوظيفة العمومية إشراك النقابات فإن الوزارة ظلت تعمل على إقصاء النقابات التي توصل الصوت العمالي بكل قوة وأمانة وصدق وهكذا اتخذت الوزارة من التعيين في مجالس الإدارات والبعثات التي تنتدبها الوزارة للملتقيات الدولية والإقليمية وحتى الدعوات للأنشطة الوطنية وسيلة ضغط تحابي بها في أغلب الأحيان النقابات المدجنة والكرتونية ممنهجة بذلك إقصاء الأصوات والقدرات الاقتراحية العمالية من خلال إقصاء النقابات الأكثر جدية وانتشارا. وفضلا عن ذلك يلحظ اقتصار الوزارة على المركزيات النقابية دون النقابات المهنية في تعاطيها مع قضايا عمالية أساسية كالتمثيلية النقابية ومراجعة النصوص وبعض الأنشطة الوطنية كالأبواب المفتوحة الجارية وهو ما يعني أن الوزارة ربما لا تعتبر النقابات المهنية نقابات شريكة. إن انضمام بعض النقابات المهنية في مركزيات نقابية لا يلغي شخصيتها القانونية ولا يعفي الوزارة من كونها شريكا يجب التعاطي معه طبقا لمقتضيات الواقع والقانون. التفرج على خرق القانون المفترض في وزارة الوظيفة العمومية أن تكون راعية القوانين العمالية وحامية حماها، لكن الواقع يشهد بأن هذه الوزارة تتغاضى إن لم تتمالأ مع الوزارات المستغلة في مخالفة القوانين، من أمثلة ذلك المراسيم التي تحصر بعض علاوات التعليم (الطباشير-المنسقية-البعد) في أشهر السنة الدراسية رغم أن المادة 37 من قانون الوظيفة العمومية وما بعدها صريحة في أن الموظف يتمتع بكامل الأجر وعلاواته في وضعية الخدمة وفي وضعية الإجازة والمدرسون في العطلة الصيفية لا يخلو حالهم من أن يكونوا في وضعية خدمة أو في وضعية إجازة لكن الوظيفة العمومية ترى نفسها غير معنية بهذا الخرق السافر للقانون. التراجع في مستوى الحريات: تراجع القوانين عادة من أجل التطوير والتحسين وتذليل الصعوبات غير أننا نفاجأ حين نتابع تمكن وزارة الوظيفة العمومية من كسب أغلبية البرلمان للمصادقة على قانون يهدف إلى الحد من ممارسة حق نقابي هو أهم الحقوق النقابية ويتعلق الأمر بحق الإضراب الذي تمت مراجعته مع نهاية سنة 2014 مسجلا تراجعا في ثلاث نقاط أساسية: حصر حق الإضراب في النقابات الأكثر تمثيلا رغم أن الوزارة لا تعترف لحد الساعة بوجود نقابة أكثر تمثيلا وهو ما يعني عمليا عدم شرعية أي إضراب. منح الحكومة حق جرد الوظائف التي يمكن إلزام العمال بتوفير الحد الأدنى من الخدمة وتحديد مقدار هذا الحد. المتابعة القانونية لمدبري أي احتجاج لا يحترم أصحابه تلك التعقيدات. تلك أهم سمات الوظيفة العمومية ما بعد إصلاح 1993 وهي تشهد بأن الأبواب المفتوحة على قطاع الوظيفة العمومية والعمل وعصرنة الإدارة يجب أن تنفتح عن إرادة سياسية جادة تنأى عن الدعاية الجوفاء وتحقق الضرورات التالية: أنظمة أسلاك مكملة وملائمة للموظفين. إصلاح الخلل في نظام الرواتب لتكون رواتب طبيعية عادلة توفر متطلبات الحياة وتستقطب الكفاءات. تحقيق شراكة موضوعية فاعلة مع النقابات الجادة. تحييد السياسة والزبونية عن ترقية وتحويل الموظفين تحقيق انسيابية إجراءات الترقية في الرتبة والدرجة والسلك وتطوير التكوين والتدريب. رفع سن الاكتتاب في القطاعات التي تتطلب وقتا طويلا لإكمال التخصص (القضاء -التعليم العالي- الطب المتخصص) رفع سن التقاعد إلى 63 من العمر بغض النظر عن سنين الخدمة. مراجعة مواكبة لنصوص الضمان الاجتماعي والصحي بما يضمن التحسن النوعي في تلك الجوانب الحساسة لعمال الوظيفة العمومية خاصة ما يتعلق بمخصصات التقاعد. السهر على حماية القانون. إن أي إصلاح لا يوفر تلك الضروريات لن يزيد الطينة إلى بلة ولن تفتح أبوابه إلا على وفاض خال وجيب بال.