أثارت تدينة نشرها الضابط السابق بالجيش الموريتاني و المعارض النشط بالمهجر السيد الحسن ولد آبه جدلا واسعا على منصات التواصل الاجتماعي ، لما حوته من أحاسيس صادقة و ألما دفينا في سرد اتراجيدي أليم لواقع مر مرير تعرض له من الظلم لامبرر له بالمرة .
الضابط السابق و المعارض الشرس الحسن ولد آبه كتب مايلي :
رفقا بأمهات المعارضين والمغتربين .
إلتحقت بالجيش الوطني سنة 1990 وطبول الحرب بين البلد والجارة السنغال تقرع ، ولم يكن مرتب ملازم في ذلك الوقت بالمرغب في الجيش فقد كان في حدود 16 ألف أوقية قديمة.
بعد التخرج من المدرسة العسكرية لمختلف الأسلحة بأطار تم تحويلي وعدد من زملائي لإدارات قيادة الأركان ، ولكن ظهر حينها ( بعد تجاوز الأزمة مع السنغال ) بأن الجيش الموريتاني كان في حالة ضعف كبير ( عتادا وعددا ) وإن كان صدام حسين ( رحمه الله ) قد حل الشق الأول من المشكل ، فقد كان الشق الثاني لا حل له إلا وطنيا داخليا.
تقرر إذ ذاك " عريتي " وزملائي لمركز CNEC المركز الوطني لتدريب الصاعقة ، وخلال 3 سنوات تقريبا سندرب المئات من الجنود المكتتبين تحت قيادة أحد خيرة الضباط العقيد المختار ( رحمه الله ) الذي كان قائدا للمركز ، ولكن حصلت معي خلال تلك الفترة مأساة عائلية مازلت حتى اليوم أنام وأستيقظ مع سؤال بخصوصها وهو : ماذا لو أنه حصل كذا ... هل كان سيمنع من حدوثها ؟
في سنة 1995 انفجرت قنبلة يدوية بين يدي أخي الصغير ، وجدها بتنويش شرق العاصمة حيث كان يقضي ووالدته العطلة الصيفية ، وقيل بعدها بأن وحدة أو كتيبة من الحرس أو الجمارك كانت تتمرن بالمنطقة وربما تكون القنبلة سقطت من عدتهم عن غير قصد ، فقد الصبي الوعي لكثرة ما فقد من الدماء وكادت والدته تفقد عقلها واستطاعوا أن يوصلوه للمستشفى الوطني حيث وضع في غرفة الإنعاش بين الحياة والموت ، ثم تم رفعه لمستشفى الأطفال بباريس
L'hôpital Necker-Enfants malades
على نفقة شركة اسنيم كون والدنا ( رحمه الله ) يعمل بها آنذاك ( منذ كانت ميفرما ) ورافق الصغير أحد أخواله الذي وجد نفسه مضطرا للعودة للبلد بسبب ظروف عمل قاهرة ، فاستدعيت من العائلة لأسافر لفرنسا كمرافق للطفل المريض ، وحصلت على إجازة من العمل ولكن فور مراجعتي لدكتور الصبي وجدت بأن حالته أخطر مما كنا نتوقع وأطباء المستشفى الوطني ، فقد كان بحاجة لأربعة عشر عملية صغيرة لاستخراج الشياظا وعملية بالعين وأخرى باليد جد معقدة تتطلب متابعة لعدة أشهر من الدكتور الجراح .
سيستغرق مقامي مع الصبي وعلاجه أزيد من سنة قضى أغلبها في المستشفى، وقبل انتهاء علاجه بثلاثة أشهر تقريبا ، اتصل بي الملحق العسكري بالسفارة ليطلب مني العودة فورا لعملي وإلا سأعتبر فارا من الخدمة كون طلبي تمديد الإجازة قد تم رفضه ، وحاولت إقناعه بأن الصبي بالمستشفى وعلاجه مازال مستمرا وليس في العائلة من يمكنه أخذ مكاني ، وبأن عليه الإتصال بالمستشفى أو مكتب شركة اسنيم بباريس للتأكد بنفسه من حالة الطفل ، ويبدو أنه لم يقم بذلك أو قام به ولكن لم يقنع به القيادة فقد اعتبرتني فارا من الخدمة وأصدرت تعميما بذلك !
تواصلت العائلة مع قيادة الأركان وشرحت لهم وضع الطفل الصحي وعدم وجود أي خيار آخر غير بقائي وإياه بفرنسا حتى نهاية علاجه ، فاقتنعت القيادة وألغت التعميم ولكن بعد أن تسبب الأمر ( أو ساهم بشكل ما على الأقل ) في حصول مأساة بالعائلة .
أبلغ أحدهم والدتي بأن الجيش " أصدر مذكرة اعتقال بحقي " وأني مطارد وفور إلقاء القبض علي فسيكون مصيري مثل مصير ضباط " معارضين " قتلهم وعذبهم نظام هيدالة ومعاوية خلال الثمانينيات، ولأن والدتي مريضة بالسكري وتعاني من " الضغط المرتفع " في تلك الفترة فقد فارقت الحياة فجأة ( رحمها الله ) ، ولا أظن من أخبرها الخبر وبالغ فيه فعل ذلك عن سوء نية ولكنه لم يأخذ في الحسبان حالتها الصحية .
عدت للبلد ولم أحضر أيام والدتي الأخيرة ولم ألقي عليها نظرة أخيرة قبل أن تغادرني للأبد إلى العالم الآخر، ومازلت حتى اليوم تدور بخلدي أسئلة من قبيل : ماذا لو لم تصدر القيادة التعميم الذي تراجعت عنه لاحقا بعدما ساهم بشكل ما في المأساة ؟ هل كان بإمكاني حينها الحصول على مخرج لبقاء الصبي بالمستشفى والعودة للبلد ؟ هل لو أنه ....
عدت للعمل بالمركز حيث كنت ، وبعد سنة أنهيت ورفاقي مهمتنا وعدنا لمكاتبنا بقيادة الأركان لنجد بأن ما يسمى ب " صراع الأجيال بين الضباط " قد بلغ ذروته ( راجع التعليق الأول ) فقدمت استقالتي كعشرات الضباط وصادق عليها الرئيس السابق معاوية ونشرت بالجريدة الرسمية 1998( كل الوثائق بحوزتي اليوم نسخا منها ومن بين أصدقاء الصفحة رفاقي المذكورين ) .
افتتحت شركة صغيرة لتصدير الأسماك إلى إيطاليا ولبنان بمساعدة من أخي الأكبر أحد كبار المصدرين آنذاك، وكان عقد التصدير مؤقتا ومحدودا بستة أشهر لصالح أسرة مصرية ( آل الطويل ) مشهورة في المجال بمصر .
بعد انتهاء العقد قررت الهجرة ، وبعد حل الأحزاب المعارضة سنة 2000 صارت حركة ضمير ومقاومة بأوروبا تمثل رأس حربة معارضة ومقارعة نظام ولد الطايع، وأقنعني منسقها العام بأوروبا اشريف ولد الشيخ بالانضمام لها وهو ما حصل سنة 2002 وعرفني كثير من الموريتانيين خلال سنوات حكم ولد الطايع الأخيرة عبر شاشة قناة الجزيرة التي استضافتني عدة مرات بنشرة المغرب العربي ( الحصاد ) وقد فتح الصحفي Mohamed Lemin Mahmoudi الفضائيات العربية للحركة آنذاك بعدما كانت الحركة تركز على الإعلام الفرانكفوني ( بفرنسا خصوصا ) .
قضيت ال 3 سنوات الأخيرة من نظام حكم ولد الطايع وأهم أولوياتي ألا يعاد مهاجر أو لاجئ موريتاني للبلد في تلك الظروف السياسية المحتقنة ، فكنت أصحو مع ملفات المهاجرين وأنام عليها وأقضي كل يومي متفرغا ( لدرجة ترك مشاغلي الخاصة جانبا وتعطيلها حتى ) لها ومرافقا لأحدهم إلى إدارة أو في بحث عن سكن وحتى عن عمل ( حد لاهي يكذب ايبعد اشهودو ) وسبب ذكري للأمر ليس منة أو ما شابه فقد كنت - ومازلت - أعتبر استقبال مهاجر أو لاجئ ومساعدته واجب ديني واخلاقي ووطني خاصة خلال سنوات حكم ولد الطايع الأخيرة ، إنما يدخل الأمر بصلب الموضوع وهو أني كنت دوما - ومازلت - مصابا بقلق من فقد أحدهم لوالدته بسبب إخبارها من أحد ما ( عن سوء نية أو عدم ذلك ) بأن فلذة كبدها مهدد بالإعتقال ومطلوب من النظام الحاكم وقد يتعرض للتعذيب وحتى القتل ، فتفقد المسكينة عقلها وتتأزم صحتها وغالبا ما تفارق الحياة .
فرفقا جزاكم الله خيرا بأمهات المعارضين والمغتربين عموما ، فلا ذنب لهن إن كان هناك من ذنب أصلا .