إعلانات

هامش الخيارات أمام الرئيس عزيز لاختيار خليفته لما بعد استحقاقات 2019

اثنين, 16/07/2018 - 09:15
اربعة خيارات هي المتاحة امام الرجل لما بعد استحقاقات 2019

لم يكن مساء الجمعة 17 مارس 2017 كأي يوم من أيام الدنيا بالنسبة للرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، وإن كان ينسى جميع لياليه فستبقى ليلة ذلك اليوم المشؤوم ـ بالنسبة إليه ـ محفورة في الذاكرة، إنه منعطف في التاريخ لم يعد يثق بعده في أقرب مقربيه المدنيين والعسكريين على حد سواء، فرجله المدني مولاي ولد محمد الاغظف بدا أنه كان في اجتماعات سرية قبل أيام مع محسن ولد الحاج وسبعة من الشيوخ في منزل هادئ بحي "تنويش" الشعبي يخططون لشيء ما، وقائد أركانه وأقرب المقربين الفريق محمد ولد الشيخ أحمد بدا أن تقاريره الأمنية والعسكرية كانت كلها تجانب الصواب، ما الذي حصل..؟

بدأت القصة حينما كان رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز يرتدي دشداشة صفراء اللون يتنفس نسائم البحر في ليل مقمر على تلال "اطويله" شمال نواكشوط، ارخى الليل سدوله على رئيس ينتظر البشارة فكانت المفاجأة، رنّ هاتف بنتائج تصويت مجلس الشيوخ ضد مشروع التعديلات الدستورية، قطع الرئيس تلك المكالمة وتحت الصدمة أرسل مكالمة إلى شخص يثق فيه وخاض معه جميع مراحل السياسة يعاتبه على النتيجة الفجائية بمكالمة استمرت أكثر من نصف ساعة.

لم يكن الشخص الأخير الذي يسمع العتب من رئيس الجمهورية سوى الفريق محمد ولد الشيخ محمد أحمد ولد الغزواني القائد العام لأركان الجيوش، ذلك الرجل الذي كان محل ثقة ولد عبد العزيز ورفيقه في كل مراحل حياته العسكرية والسياسية، وكانت العلاقة معه هي الثابت في جميع المتغيرات، كان ولد الغزواني مكلفا بملف تمرير التعديلات الدستورية ومهمة تمريرها وكلت رسميا إلى وزير الدفاع أمادو باتيا، كما كان غزواني مكلفا بالتنسيق مع شيوخ المناطق الشرقية الموريتانية والذين صوتوا بغالبية ساحقة ضد التعديلات الدستورية في مفارقة عجيبة.

 ولم تكشف الأجهزة الأمنية أن حربا تدار ضد الرئيس محمد ولد عبد العزيز وقراراته القاضية بإلغاء مجلس الشيوخ  ولم تكشف أجهزة الاستخبارات مكالمة واحدة بين من كانوا يديرون المعركة إلا بعد أشهر حين اعتقل السيناتور محمد ولد غده، بل إن الرئيس محمد ولد عبد العزيز أخبر مجلس الوزراء المنعقد يوم الخميس 16 مارس 2017 (24 ساعة قبل التصويت) أنه يتوقع مرور التعديلات ب 46  من أصل 56 شيخا.

وهنا بدأت الثقة بالفريق محمد ولد الغزواني كخيار مستقبلي لرئاسيات 2019 تضطرب  ويمكن أن يتلخص ذلك الاضطراب في المراحل التالية:  

ـ من 17 مارس 2017 إلى  9 يناير 2018 بذور اهتزاز الثقة

منذ تاريخ إسقاط الشيوخ لمشروع التعديلات الدستورية طويت صفحة رجال ثقاة بالنسبة لرئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز أمثال مولاي ولد محمد الاغظف ومحسن ولد الحاج وامربيه ولد الولي،  كما اضطربت الثقة بالفريق محمد ولد الشيخ محمد أحمد بعد اكتشاف قيام خلية أمنية تابعة لأركان الجيوش برصد حركة حسابات وجرد ممتلكات أفراد من عائلة الرئيس محمد ولد عبد العزيز واطلاع الأخير على تلك التقارير قبل أن يعتذر الفريق عن هذا التصرف.

وكان من تداعيات هذا الحدث إقالة ضابط الاستخبارات أحمد ولد القطب من منصبه كملحق أمني في السفارة الموريتانية بالرباط لاشتراكه في جمع المعلومات وجرد ممتلكات تابعة لمحيط الرئيس هنالك بأمر من خلية الاستخبارات العسكرية.

وقد ردت الأجهزة الأمنية بالمثل وكان من نتائج ذلك عودة بعض أفراد عائلة الغزواني إلى مدينة نواكشوط.

ويتواصل اهتزاز الثقة في الفريق محمد ولد الغزواني ويبلغ ذروته عندما لم يستدعه الرئيس محمد ولد عبد العزيز في منتجعه بتيرس يوم 25 دجمبر 2017 لأول مرة حيث كان يزوره كل عام في العطلة، وهو حدث لم يقع منذ ثلاث سنوات.

ـ من 10 يناير إلى 15 مايو حرب البيانات والخيار البديل:

حرب كلامية بين قيادة الأركان ومواقع ألكترونية محلية حيث نشرت مواقع موريتانية (الصحراء ، صحراء ميديا ، ريم تودي...)  خلال عطلة الرئيس أخبارا عن مرسوم  رئاسيً يزيد سن التقاعد عند الضباط الموريتانيين بثلاث سنوات.

ونقلت صحراء ميديا عن مصادر أمنية إن مرسوما رئاسيا صدر صبيحة 9 يناير 2018 نفس اليوم الذي عاد فيه رئيس الجمهورية من منتجعه وتم تعميمه على جميع المصالح الأمنية.

ويشمل المرسوم  ـ حسب صحراء ميديا ـ  جميع الضباط الموريتانيين بمن فيهم القائد العام للجيوش  الفريق محمد ولد محمد أحمد “الغزواني” بالإضافة إلى عدد من القادة البارزين في المؤسسة العسكرية.

وذيلت صحراء ميديا هذا الخبر بقولها " ويصبح ترشح ولد الغزواني للانتخابات الرئاسية المقبلة غير ممكن إلا إذا قدم استقالته من المؤسسة العسكرية، كما فعل الرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز عام 2009..."

وفي يوم  11 يناير 2018 تصدت قيادة أركان الجيوش لهذا البيان وفتحت النار عى تلك المواقع في لغة مرتبكة ومتوترة ونزلت قيادة الجيش ـ لأول مرة ـ  في الدخول في سجال مع المواقع الموريتانية وما ينشر فيها بقولها:

"ولما لم يأت ما يؤكد هذه المزاعم من خلال مداولات البرلمان المنقولة على الهواء، عادت نفس المواقع لتؤكد في نسخة جديدة من مزاعمها إصدار مرسوم يحدد سن التقاعد وتمادى بعضها لحد إعلانه الحصول على نسخة منها بل ونشر تفاصيل تحتوي معلومات عنه لا وجود لها إلا في أذهان ناشريها"

 ونفى الجيش بشكل قاطع على موقعه هذه الادعاءات وأكد ما وصفه ب" زيف هذه المعلومات" وأهاب ب "العاملين في الحقل الإعلامي عموما مراعاة المصداقية والمهنية في نقل الخبر ونشره.."

بيان الجيش أثار استغراب المحللين والأوساط الصحفية واختلفوا في قراءته، إلا أنهم يجمعون أنه اهتزاز للثقة في قيادة الأركان إذ دل نزولها إلى السجال الإعلامي وحرب الشائعات أنها لم تعد محل ثقة يعول عليها في المستقبل السياسي للبلد.

لتنتهي هذه الحرب الإعلامية ويبدأ البحث عن رجل المرحلة القادمة بديلا عن ولد الغزواني، فتم  تلميع الضابط المتقاعد الشيخ ولد بايه واقترح الرئيس بالتزامن مع ذلك  إنشاء لجنة لإصلاح الحزب الحاكم ينسقها الضابط الشيخ ولد بايه.

العقيد الشيخ ولد بايه الرجل الذي عرف رئيس الجمهورية في حله وترحاله وتسامرا معا وارتغيا لبن العيس في ليالي تيرس المقمرة واصطادا معا الظباء في سراب "بير ام اغرين"،  من يمنعه من أن يكون الرئيس المقبل؟ سؤال طرحه الرأي العام الوطني مرات وأعدت الشروق ميديا في تلك الفترة تقريرا عن حظوظ الرجل في الرئاسيات المقبلة ودعمه من طرف شخصيات وازنة في الدولة الموريتانية مثل رئيس الحزب الحاكم سيدي محمد ولد محم.

ولكن الشيخ ولد بايه ما لبث هو الآخر أن تبخرت أحلامه وأحلام أنصاره في الرئاسة بعد منع تظاهرة مؤيدة له كان يعول عليها في بداية إطلاق تيار سياسي داعم له.

فماذا بقي أمام الرئيس محمد ولد عبد العزيز بعد سقوط خياراته بتوريث بعض المدنيين والعسكريين بدء بمولاي ولد محمد الاغظف ومرورا بالفريق محمد ولد الشيخ محمد أحمد وانتهاء بالشيخ ولد بايه؟

سقطت خيارات التوريث .. عزيز باق في الحكم

وبعد استبعاد خيار الفريق محمد ولد  الغزواني والعقيد المتقاعد الشيخ ولد بايه  وقبلهما صاحب خلية "تنويش" مولاي ولد محمد الاغظف  ليس لرئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز من خيار سوى البقاء في السلطة مضطرا بصورة أو بأخرى.

فله أن يختار رئيسا مدنيا ويوسع صلاحيات الوزير الأول،  وتتحدث بعض الأوساط أن هذا الخيار إذا كان مطروحا سيكون رئيس الحزب الحاكم الحالي سيدي محمد ولد محم خاصة أنه محام نابه وخطيب سياسي مفوه وهو محل ثقة ولد عبد العزيز منذ العام 2008.

خيار آخر لولد عبد العزيز هو وزير النفط الحالي محمد ولد عبد الفتاح ويحظى الرجل بثقة كبيرة من طرف الرئيس محمد ولد عبد العزيز وفي عطلته الأخيرة استدعاه لقضاء أيام معه في منتجع تيرس وينزله منزلة ابنه. 

ومهما يكن فإن الرئيس محمد ولد عبد العزيز قرر البقاء في منظومة الحكم وأكد في أكثر من خطاب أن النظام باق ومستمر، وأنه سيفوت الفرصة على المفسدين، فماذا تخبئ الأيام بعد سقوط كل الخيارات والشائعات السابقة؟

نقلا عن الشروق ميديا .