إعلانات

الرهان الأمني إلى أين؟ / بقلم: عبد الفتاح ولد اعبيدن

أربعاء, 13/06/2018 - 21:09

بغض النظر عما يسود من تفلت أمني محدود، لسبب أو لآخر  حسب تقييم البعض،  إلا أن رمضان الحالي شهد عدة عمليات قتل ولصوصية تقليدية ومحترفة، كما في حالة فرع "التجاري بنك" بتنسويلم.

شاب يقتل أخاه، وروج على نطاق واسع، أن ذلك راجع لخلاف حول التركة، وشابان يقتتلان ليذهب أحدهما ضحية الصراع على فتاة فاتنة، كما يروج أيضا على نطاق واسع، وبعد ذلك بأقل من أربعة أيام حدثت عملية اللصوصية المذكورة على فرع البنك بالحي المسمى.

ويتكرر السؤال التقليدي، هذه الأحداث المقلقة، هل يمكن أن يحكم عليها بأنها تفلت أمني بسهولة.

بحكم وجودنا في عاصمة مزدحمة، بالسكان والظواهر المجتمعية والاقتصادية والسياسية، المؤثرة سلبا وإيجابا.

 وإن افترضنا أن الوضع الحاصل تقليدي أو تصاعدي، فما الأسباب القريبة والبعيدة الكامنة وراء هذا الوضع الأمني المثير للتأمل والاستفسار المشروع.

الأمر قد لا يحتاج إلى فلسفة مرهقة لذهن القارئ، فنحن في سياق ضيق، ولسنا في وارد دراسة أمنية ذات معطيات وشروح تفصيلية، وإنما "بروفت" كما يقال في لغة المطاعم، أو "فاست فود" تسلط الضوء على الموضوع ،من دون ملل أو تقصير مخل بإذن الله.

موريتانيا مشروع دولة ولم يتمكن بعد، لا على الصعيد الرسمي ولا الشعبي، من خلق جو مقنع، بأن ما نعيش تحت ظله، يستحق هذا الاسم، على وجه موضوعي مفحم.

إنها دولة العسكر والقبائل ذات النفوذ فحسب، وبقية المواطنين من الدرجة الثانية تقريبا، وما جرى ويجري حاليا من حركات حقوقية وانفصالية، مرده إلى عدم الشعور بقدر منصف من المشاركة في إدارة الشأن العام، بغض النظر عن طبيعة الوسيلة، الراشدة أو المتطرفة، التي تلجأ إليها هذه الحركة أو تلك؟.

هذا بعض أسباب الحراك العام الفوضوي، الذي يعيشه أحيانا، سطح المجتمع الموريتاني أو قاعه على السواء، أما بقية العوامل، فلها قدرها من الإسهام الإيجابي أو السلبي في دفع حالة الأمن والاستقرار، في أحد اتجاهين النافع أو الضار لا قدر الله، أو باللغة السابقة الإيجابي أو السلبي.

لكن في المرحلة الراهنة، مما يوتر الأوضاع نحو أفق مهزوز نسبيا وباستمرار تقريبا ،مستوى توزيع الثروة المختل، شيوع المخدرات، فوضوية الإعلام ومخاطر العولمة ،وعدم الوعي الإستراتيجي، لمواجهة هذه المخاطر المحدقة بحق، بمشروع الدولة الموريتانية ،الضعيف في الأصل، بحكم طبيعة النشأة والمنحى، الذي وطنت عليه، ما بين النفوذ العشائري، ومنذ 1978، انضاف إليه النفوذ العسكري، وأما دولة الديمقراطية والتنوع، فمازالت في أولى إرهاصاتها فحسب، وهي في وارد اختبار صعب، في المرحلة الحالية المطلبية النقابية والانتخابية الصرفة مابين 2018 وسنة الانتقال المباشر أو غير المباشر في سنة 2019، إن لم يرفض النظام بصورة صريحة التنازل قيد أنملة عن دفة الحكم، وهو الراجح لدي، للأسف البالغ، وقد يستدعي ذلك تجاذبا حادا مؤقتا، قد يتغلب فيه العسكر وأشياعهم، وقد يفرض الوضع الحاد حينها، معالجة أمنية من الداخل كالمعتاد، وهو أمر قد يكون أسوأ من مأمورية ثالثة، على وجه اليقين ،حسب رأيي الخاص، وكلا الخيارين أحلاهما مر.

إلا أن رهان مشاريع الدول الهشة الفاشلة ،مثل موريتانيا، على البقاء متماسكة، ولو شكليا، وليس على الديمقراطية أو مقادير غير واقعية من التنمية والازدهار المثالي المجنح.

دولة ولد عبد العزيز، مثل دولة معاوية، تغلب فيها أقارب الرجلين وكبار قادة الجيش والأجهزة الأمنية، مع اختلاف في أسلوب المرحلتين، وبوجه خاص الذوي والأهل.

فبعض أقارب معاوية، رغم حصولهم الشرعي وغير الشرعي على بعض أجزاء الكعكة الدسمة، الملوثة معنويا وأخلاقيا، إلا أنهم فتحوا بعض شرفات النوافذ وأحد مصراعي باب الحظوة، إن صح هذا التعبير في جانب دلالته الواقعية.

فتركوا سمعة مقبولة، إن لم تكن طيبة على رأي البعض، أما بعض أقارب الرئيس المتنفذين، وطبعا أعني الرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز، فتصارعوا بينهم لاحقا، على الحكم والجاه والثروة السائبة المتاحة، واتبعوا على وجه صريح بائس، سياسة الجمع والمنع، دون رحمة أو تعقل أو استحياء.

فأضروا بأنفسهم تاريخيا وأخلاقيا وأضروا بقريبهم المتحكم الآن، وأضروا تقريبا بكافة أهل موريتانيا، فكيف لو أتيحت لهم فرصة مأمورية ثالثة، سيستغلون فيها طبعا الحكم الممد حينها، وعلى حساب أنفسهم والمجتمع والدولة وحتى العسكر النافذين نسبيا، لأن هؤلاء –أي العسكر- أصبح بعضهم جياعا يتسقطون بعض منافع المائدة العمومية المهشمة، المتنازعة، بالمقارنة مع استفادة بعض النافذين من قبيلة الرئيس.

وبعضهم من أبناء خالته، إن لم يكونوا منتمين مباشرة، ففي الحديث الصحيح عنه صل الله عليه وسلم في البخاري من حديث أنس بن مالك الخزرجي الإنصاري قوله : ابن بنت القوم منهم

ولاشك أن صنيعهم مضر بالدرجة الأولى، بولي نعمتهم محمد ولد عبد العزيز، المخدوع المستغل، بصورة فاحشة مؤلمة مقززة، من طرف أقاربه بوجه خاص، وحتى أحيانا كل من تحمل لوحة سيارته 0012،ولو لم يكن من تلك الولاية، رغم أن إنشيري بريء من اللعبة تقريبا، فولد عبد العزيز لم يزدد هناك، وإنما الجدود والأصول العابرة، ضمن رحلة المجهول المعلوم،.

في إحدى الليالي ادعوا أنه يتجول في محيط قصر المؤتمرات، لكن الصورة أرشيفية من نواذيبو وقديمة نسبيا.

ومن اللافت في هذا الصدد، أن منطقة قصر المؤتمرات القديم، تحولت إلى اقتطاعات مثيرة، من الملعب الأولمبي تارة ومن المنطقة المحاذية لمدرسة الشرطة طورا ،وبنيت فيها سواء تمت أو قيد الإنشاء، قصور على حساب المال العمومي وأمام عيان وأنظار كل المارة والمشاهدين، دون حياء.

كل هذا الاستحواذ على وجه مقزز، لا يعبر إطلاقا عن أمل قريب في إقامة دولة موريتانيا وتحول مشروعها إلى واقع أو حكم رشيد، البتة.

كما أن الدفع بولد محمد محمود زين العابدينCDI للمعلوماتية، صاحب سوابق.

أقول دفع به إلى قيادة اتحاد أرباب العمل الموريتانيين، لصلته ببعض بارونات النظام، امربيه مدير الحالة المدنية السابق وآخرين حاليا، والبعض يعلم أن هذا الشاب المغمور، سبق أن سجن بتهمة تزوير "تيكتات كزوالّ، حيث كان يعمل حينها بإحدى شركات تسويق المنتجات النفطية، وبعد فترة من السجن أطلق أيام معاوية بحرية مؤقتة وإلى اليوم، فلا علم لي بتبرئته إطلاقا.

وفي ظل المعطيات الحالية وأيام النظام القائم، بدل إعادة محاكمته ليعلم هل هو بريئ أو مجرم مزور، ضرب به كافة رجال الأعمال، ممن سبقوه في الميدان، خبرة وثروة وإدارة، ومكن من صفقة بناء مقر جديد للحكومة أو الوزارة الأولى توقف هذا المشروع لأسباب مريبة، ربما لإتمام قصر المؤتمرات الجديد المريب بحق، وذلك بسبب قرب موعد قمة الاتحاد الإفريقي، رغم ما يثيره قصر المؤتمرات الجديد من جدل مشروع بحق أيضا، على رأي البعض، بسبب المبلغ وخروق البناء، حسب ما يدعي منتقدو هذه المشاريع الضخمة المثيرة.

وأصبح بين غمضة عين وانتباهتها، صاحب أحد أكبر المصارف المعروفة، التي دشنت فقط، إبان الذكرى الأخيرة للاستقلال.

لكن عفوا تحول كل هذا إلى منجزات شخصية وعامة، بدل الحذر من أصحاب السوابق، فمن زور القليل سهل عليه تزوير الكثير، على نسق المثل الحساني من سرق بيضة سرق دجاجة يوما ما.

وعود على بدء، أقول، قصة الفلتان الأمني المدعى جزء من كل، ولعلمكم المخدرات وشيوع  استعمالها في أوساط شبابنا بوجه خاص والمراهقين بوجه أخص، لها دور كبير، في دفعهم للسطو والاغتصاب والقتل حتى.

أما إدارة الأمن فلعلها جديرة بالدعم الفني والتكويني والمالي، فمنذ سنوات نقصت الحكومة مليار من ميزانيتها، دون إرجاعه لدفتر وسائلها المادية السنوية، وهي افتراضا إدارة أمن موريتانيا، ومن أحق الجهات الرسمية بالعناية، قبل قصر مؤتمرات جديد مثير بحق، على رأي البعض.

ومهما يكن شخص المدير العام الحالي للأمن، فمسألة الميزانية تحتاج إلى إعادة نظر، لمصلحة الأمن حاليا ولاحقا.

فلا ينبغي اجتزاء بعض مخصصاتها، إن لم تزدد وتعلو، ولكن مع الترشيد و حسن التسيير، عسى أن تكون كل الظروف المعنوية والفنية جاهزة لدعم حالة الاستقرار عندنا، وعدم إتاحة الفرصة للمزيد من الانحدار الأمني بوجه خاص.

وعموما مشروع دولتنا في خطر بامتياز، فانتبهوا جميعا، حكاما ومحكومين، قبل فوات الأوان.

وبصراحة جميعنا مساهم سلبا غالبا، في دفع هذا المشروع إلى التفتت والانهيار الكامل يوما ما ،لا قدر الله، إن لم نشد الأحزمة ونعالج ما حصل من خروق، عبر خطة أمنية شاملة وخطة بناء وطني أشمل.