إعلانات

رسالة غير مُشفّرةٍ إلى الرئيس ولد عبدالعزيز / الأستاذ خالد ولد الفاضل

سبت, 09/06/2018 - 17:09

متأكد تماما أنك لن تقرأ هذه الترهات لأننا لسنا أصدقاء في العالم الافتراضي، فتشت عن حساب لك في مواقع التواصل الاجتماعي حتى أرسل لك طلب صداقة، لكنني عثرت على حساب واحد يحمل اسمك ويضع صورتك بيد أنه كان خاملا؛ فآخر نشاط له كان 5 يناير 2017، كما أنه كتب أنه درس في الثانوية الوطنية، قلت في نفسي لا هذا ليس الرئيس حفظه الله، ربما هو حساب مستعار فتحه أحد الهواة، فآخر نشاط للرئيس؛ كان أوائل العشر الأواخر؛ شوهد وهو يتمشى بين الناس دون حراس.
لو كان بمقدوري الذهاب إليكم في القصر وتناول وجبة الإفطار معكم لفعلت ذلك، حتى أقارن فطوركم بفطورنا وهل تنقطع الكهرباء عنكم أحيانا مثلما يحدث مع سكان الدواخل، بودي أن أفتح ثلاجة مطبخكم، وأتجول برشاقة داخل أجنحة القصر وأنظر إلى عداد الكهرباء والماء في منزلكم، هل تقطع صوملك الكهرباء عنكم عندما تتأخرون في التسديد بسبب هشاشة راتبكم وتأخر دخوله؛ وإلحاح صاحب الدكان المجاور الذي تستدينون منه عادة الحليب والسكر والخبز وبقية النفقات.
بودي لو سألتكم بشكل شخصي ومن باب الفضول، هل اقترضتم مبلغا من البنك على آجال طويلة، من أجل بناء منزل ينجيكم من الكراء، مع العلم أن أسعار الكراء باتت باهظة للغاية، تخيل أن موظفا يتقاضى مائة الف أوقية قديمة يسدد منها للإيجار خمسين الف أوقية قديمة ماذا سيتبقى له للمصاريف، طبعا هذه الكلمات مجرد هذيان رومانسي ولن تصلكم مطلقا، فالحارس الذي يقف أمام بوابة القصر، سيصرخ في وجهي قائلا ارجع. وأنا طبعا سأرجع؛ بل إنني قد أهرب. لذلك سأختصر وأدخل صلب التفاصيل، وإن كان الشيطان يكمن فيها.
سيدي الرئيس:
أنا لم ألتقي بكم على أرض الواقع مع أنني رأيتكم عدة مرات بالعين المجردة، المرة الأولى؛ كانت في مهرجان التحدي 2009، أتذكر أن رجل الأعمال محمد بوعماتو كان يقف خلفكم على المنصة، وكانت في السماء طائرة صغيرة تحوم مثل الفراشة، وكنت أنا أقف متحمسا بين الناس أتطاول حتى تلتقطني عدسة الكاميرا، وكنت من المؤمنين ساعتها بموريتانيا الجديدة، أتذكر تلك العجوز التي طلبت مني أن أكتب لها رسالة تريد فيها قطعة من الأرض داخل الحي الساكن، كانت مؤمنة بأنها ستسلمها لك وسط ذلك الزحام الرهيب. بعد تسع سنين، لا أدري ماذا حل بتلك العجوز المسكينة، هل أوصلت رسالتها أم لا، وهل مازالت تتحلى بإيمانها بموريتانيا الجديدة. في بداية التسع السنين تلك، كانت هناك إنجازات ملفتة جدا ومهمة، يضيق المقام عن سردها كاملة، فبرامج التلفزة والموالاة يقومون بذلك وزيادة. تفصلنا الآن سنة واحدة فقط؛ ويجلس فيها رئيس آخر على الكرسي وهذه هي سنة الحياة، فلو أنها دامت لغيرك لما وصلت إليك، حتى الوزراء سيرحلون وسنسى ملامح وجوههم، ونحن أيضا سنمضي، لكن آثار الجميع ستبقى هنا منقوشة بوضوح وستراها الأجيال القادمة؛ كما أن الوطن سيبقى، لذلك نتمنى أن تودع شعبك الذي أحبك منذ تسع سنين بدون تكلف وانتخبك بغزارة بسنة خصبة. لقد وعدتهم سابقا بأنك ستحارب الفقر. بيد أنك في الحقيقية ضايقتهم في أرزاقهم وأحلامهم بسبب الضرائب والتقتير، الفقر داخل مأموريتكم الثانية صار وحشا يأكل البسطاء، ويفلت منه الأقوياء فقط، الذين تحولت بطونهم إلى هضاب ضخمة. 
سيدي الرئيس:
على مقربة من حدائق القصر، وبالقرب من جادة البنك المركزي حيث تفوح روائح أموال شعبنا البائس، يقفون هناك يوميا تحت الشمس ولديهم رسائل بسيطة، يمكنك بخطوات قليلة أن تصل إليهم وتستمع لهم، إنهم شعبك وليسوا أجانب، وليسوا مسيسيين؛ فقط يريدون الكهرباء والماء والطرق والعمل وهي أشياء ضرورية جدا، تخيل أن بعضهم منذ شهور عديدة لم يقبضوا رواتبهم؛ كعمال المطبعة الوطنية. إذا كنت لا تريد الخروج إليهم، يمكنك جلب منظار ورؤيتهم من شرفة القصر، ستراهم يحملون لافتات كتبت المطالب عليها بحروف كبيرة جدا. على أية حال؛ إنهم شعبك، وأنت المسؤول عنهم؛ وسيخاصمونك أمام الله في يوم كان مقداره 50 الف سنة، حينها ليس هناك وقت للتملق كل المتملقين ستجدهم فروا، بل إنهم سينفضون عنك قبل ذلك في الدنيا فعندما تترك السلطة وبريقها سيتحول ثناؤهم إلى سراب، الفقهاء والوزراء وما بينهما لا يخبرونك حقيقة ما يجري؛ مع أن الحقيقة واضحة جدا، إن الشعب أصبح يعيش في مشقة حقيقية ويربي الأمل كما قال درويش، ففي بعض مدن الداخل لا كهرباء ولا ماء. وهنا وهناك؛ الأسعار مرتفعة للغاية والمشاريع متوقفة والخدمات منهكة..
سيدي الرئيس:
الطامة الكبرى هي حال المستشفيات والمرضى، فهناك إضراب مشروع قام به الأطباء بشكل راقي وكيس وغير مسيس، ولقد استعصى صمودهم على جميع المهدئات ومحاولات التخدير بالحقن، كما أن استئصال بعضهم من الوظائف لم يزدهم إلا تماسكا وعزيمة، مطالبهم بسيطة وليست أنانية؛ وأهمها تحسين ظروفهم ومجانية الحالات المستعجلة، المريض بداخل الحالات المستعجلة يشتري كل شيء؛ حتى القفازات وأبر الحقن والضمادات، وهذا لا يعقل في دولة تحترم نفسها، وتمتلك الحديد والذهب والنحاس والسمك والأراضي الخصبة الغاز...
من المظلم حقا؛ أن الطبيب الذي يقضي ساعات طويلة داخل الحالات المستعجلة بين روائح الأوجاع يكون راتبه دون راتب موظف كسول جدا بالكاد تحصل على مؤهل وخبرة، ويدخل مكتبه متأخرا ولا يقوم بشيء مهم سوى التثاؤب والكلام وتصفح الانترنت.
الشعب قد يصبر ويصبر، لكن المريض لا طاقة له بصبر الألم. لم يعد من الحكمة غض الطرف عن إضراب أطباء الوطن؛ المزيد من الإعراض عنهم ربما يكون وخيما وقد يتسبب في انتشار الأوبئة والأوجاع وخاصة أن الأمطار اقترب موسمها.
سيدي الرئيس:
أنتم وحاشيتكم لا تتعالجون هنا غالبا، نحن هم من يتعالج هنا، أطفالكم يولدون هناك في باريس ونييورك وأطفالنا يولدون هنا تلفح وجوههم رياح الصحراء الحارقة، إنكم تموتون في أسرة بيضاء مضمخة بعطور الشمال، ونحن نموت هنا ويتم تغسيلنا بمياه آفطوط الساحلي، باختصار شديد للغاية؛ افعلوا شيئا قبل أن يتسرب الوطن من بين أصابعنا وأصابعكم يرحمكم الله..
هنا نواذيب؛ الصورة أدناه تحت هيكل سمكة عظيمة، قد وجدتها كمجسم قرب شواطئ المحيط، هذا المحيط يعج بالثروات جمة أخشى أنه قد يقطع أحشاؤه وهو يرى الفقراء من حوله يزدادون في هذه البلاد السائبة..

نقلا عن صفحة الأستاذ /  Khaled Elvadhel .