إعلانات

تَعْلِيقٌ عَلَى شَطْحَةٍ من عَدَاوَةٍ .. / فضيلة القاضى أحمد المصطفى

أحد, 07/05/2017 - 00:06
 فضيلة القاضى أحمد المصطفى

 أتعجبُ ممن يَرُدُّ برأيه، وبنات أفكاره، أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في صحاح السنة (البخاري ومسلم وغيرهما)، ثم "يستن" بأقوال الزمخشري المعتزلي واختصار النسفي لها..
 قال الطبري في تفسير قول الله تعالى: <<فقطع دابر القوم الذين ظلموا، والحمد لله رب العالمين>>: "فاستؤصل القوم الذين عتوا على ربهم، وكذبوا رسله، وخالفوا أمره عن آخرهم فلم يترك منهم أحدا الا أهلك بغتة إذ جاءهم العذاب، وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل.."، وبعد نقل قول من قال بذلك، قال: (والحمد لله رب العالمين) يقول والثناء الكامل والشكر التام لله رب العالمين على إنعامه على رسله وأهل طاعته بإظهار حججهم على من خالفهم من أهل الكفر..
 الإمام شمس الدين الذهبي رحمه الله، الذي نقل في تاريخه بكاء إبراهيم النخعي فرحا بموت الحجاج، ذكرَ الحجاجَ ببعض المحاسن عند ترجمته له في سير أعلام النبلاء: <<..وكان ذا شجاعة وإقدام ومكر ودهاء، وفصاحة وبلاغة، وتعظيم للقرآن..>>، إلى أن يقول: <<..وله حسنات مغمورة في بحر ذنوبه، وأمره إلى الله، وله توحيد في الجملة، ونظراء من ظلمة الجبابرة والأمراء>>..
 رأيتُ من اطلاعي على التاريخ الاسلامي، أن الذين نُقل فرح بعض أئمة المسلمين بموتهم من أصحاب الولايات، كانوا في ولاياتهم يمارسون أعمالها إلى موتهم، أما الذين انفصلوا عنها أو فصلوا، فقد توقف الناس عنهم بذلك، بل إن بعض أولئك رثاه الناس بعد موته، فهذا القاضي أحمد بن أبي دواد متولي كبر فتنة الناس بخلق القرآن، وبسببها عذب الأئمة، قال عنه الذهبي: "..ولما مات رثته الشعراء.."، وعنه قال الذهبي نفسه: <<..له كرم وسخاء وأدب وافر ومكارم..>>..
 كنتُ قُلْتُ في مكتوب سابق، إن ولاية أمور الناس العامة وما ينشأ عنها من مسؤوليات شرعية وأخلاقية، وما تفرضه من قرارات، ومُسَايرات، وما يحيط بذلك من ظروف، قد لا تسمح للمرء بأن يخرج منها نظيفا من الأوزار والأخطاء، قال عمرو بن العاص رضي الله عنه، عند حضور أجله: " ..ثم ولينا أشياء لا أدري ما حالي فيها.."، وقال عبد الملك بن مروان: "..وشربنا الدماء أيضا.."..
 وقال المؤسس المختار ولد داداه رحمة الله عليه: <<..إن وظيفة رئيس الدولة شاقة ومثيرة وغير إنسانية في آن واحد..>>، وكذا كثير من وظائف الدولة..
 أعتقد أن الإيمان بالدولة المدنية المعاصرة ذات الدستور والقوانين، والنظام الديمقراطي يتفرع عنه الكف عن وصف أحد من الناس تصريحا أو تلميحا بالظلم والفساد، وخاصة بعد الموت، مالم يكن قد أدين بذلك من طرف هيئة قضائية مستقلة، وخلاف هذا من الظلم والدعاوي العرية، إلا أن يكون إيمان البعض بهذه القيم لا يجاوز الحناجر..
 كان إمام أهل السنة أحمد بن حنبل يقول: "بيننا وبينكم يوم الجنائز"، ودلالة القول أن مستوى حضور الناس للجنازة استفتاء على قدر الميت ومكانته، وقبوله، وتجاوزهم عنه إن كان ممن ولي من أمرهم شيئا، ويتعين أن يكون هذا آكد لدى من يؤمن بصواب رأي الأكثرية دائما، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في مقام ذكر الموتى: "أنتم شهداء الله في أرضه"، ويؤخذ منه من باب أولى الكف عن من شهد أكثر أهل قطره جنازته رغبة وحبا، وعند شرح النووي للحديث في صحيح مسلم، بسط الأقوال فيه، ثم قال: <<..والثاني: وهو الصحيح المختار أنه على عمومه وإطلاقه وأن كل مسلم مات فألهم الله تعالى الناس أو معظمهم الثناء عليه كان ذلك دليلا على أنه من أهل الجنة، سواء كانت أفعاله تقتضي ذلك أم لا..>>..
وكنتُ أحسب  من يقول إن العقائد والعبادات فردية، ولا سلطان عليها خارج ضمير الإنسان، ويرى خلاف هذا من كلام الفقهاء المتجاوز، يكف عن ذكر التفسيق والتبديع، والاستشهاد بأقوال أهل العلم في ذلك..
 لم يكن رثاء الأموات بالتعريض بهم، من ثقافة أهل هذه البلاد، ووقوعه اليوم إنما هو شَطْحَةٌ من عداوة الأيديولوجيا التي لا تنقضي فيما يبدو بالموت، وإن كان لا شماتة فيه، وكل نفس إليه صائرة، وما تدري ما تكسب غدا..