إعلانات

القاضي بين حق التعبير و واجب التحفظ…/ القاضى آدو ولد ببانه

أحد, 29/01/2017 - 11:45
 القاضى آدو ولد ببانه

لا وجه لتبكيت القاضي و تسفيهه و الحجر عليه في الكتابة و كسر قلمه و سكب مداده ، طالما ان القانون النظامي المتعلق بالنظام الاساسي للقضاء أجاز له و دون الإذن من أي جهة كانت القيام بالأعمال الادبية و العلمية و الفنية ( المادة 14 ف 3 ن ا ق ) – و هي أنشطة ذهنية أدواتها القرطاس و القلم – ، و حثه و الزمه بالدفاع عن استقلالية القضاء و المدافعة عنها و هي معركة لا يخوضها بالسنان و لا بالنبال و إنما بالصحف و الاقلام و بشكيمة الموقف و صرامة التمسك ، كما أن القضاء حام للحريات الفردية و ضامن لاحترامها ( م91 من الدستور ) و التعبير اهم مفردات تلك الحريات ، و لا معنى لأن يكون القاضي حارسا و خفيرا لما هو محظور عليه ، و قد احسن المشرع الاساسي المغربي سنة 2011 حين نص في المادة 111 من الدستور على منح القضاة حرية التعبير بما يتلاءم مع التحفظ و الأخلاقيات القضائية .

و المعلوم ان حرية التعبير هذه تتم بأشكال و صيغ عديدة من بينها التدوينات على الفيسبوك ، و هي حق للقاضي كمواطن- قبل ان يكون رقيبا – بموجب الدستور ( ديباجة دستور 91 و المادة 10منه ) و المواثيق الدولية التي نصت على حرية القاضي في التعبير ( مثلا البند 8 مبادئ الأمم المتحدة بشأن استقلال العدالة ) و لا يحد من استعمال هذا الحق المطلق في موضوعه و في الصور التي يتم بها إلا التصادم مع واجب التحفظ الواجب اصلا على كل موظف طبقا للمادة 7 من القانون 09/93 ، و هو في حق القاضي لازم بموجب (المادة 20 ن ا ق) التي تحيل على القانون الأساسي للموظفين و الوكلاء العقدويين للدولة ، فضلا عن ان طبيعة مهام السلطة القضائية تفترض الزيادة في التحفظ الذي لم يحدد له التشريع مفهوما ، لكن استقراء النصوص المتضمنة لواجبات القاضي و ما يحظر عليه تقود إلى فهم التحفظ في إطار ( عدم التعرض للقرارات و الأحكام القضائية بشكل يمس بمصداقيتها من منظور تحقيق العدالة ، و الابتعاد عن تقديم أراء و مواقف حول قضايا مازالت منظورة و لم يتم البت فيها بأحكام نهائية ، و عدم إفشاء السر المهني ، إضافة إلى عدم الانخراط في الأحزاب السياسية او المشاركة في التظاهرات السياسية او الدعاية لهما او الترشح للوظائف الانتخابية التي لا تخص القضاء ، و الابتعاد عن الإدلاء بأي رأي قد يزرع الشك لدى المتقاضين حول الحياد و التجرد و النزاهة او يسيئ إلى مركز القضاء ، و التحلي بضوابط الشرف و الرزانة … إلى غير ذلك من المسائل المعروفة و المحصورة )
و في ضوء ذلك يمكن الجزم بان للقاضي ان يمارس حقه في التعبير و يكتب دون ان يتعرض للارعاد او التهويل ما دام بعيدا عن الابتذال و الانزلاقات و الخوض فيما يتنافى مع الحياد المطلق و ضوابط الرزانة و اللياقة ، أو لم يتجافى و يتعارض في مسالك النشر و البوح مع ما هو مسطور في النظام الاساسي للقضاء من قيود و في المدونة الأخلاقية من عقال ، و ما اناطت به القوانين الأخرى من التزامات مهنية .
بل يحسب للقاضي بهاء تعبيره بحرية اذا رام به استقلالية القضاء او الدفاع عن حقوق و مصالح سلكه او سعى لتحسين النظام القانوني بشكل عام و حماية العدالة ، و في هذا الإطار فإن هبة القضاة الباسلة ضد السابقة الخطيرة المتعلقة ببعض الترقيات المرسمة نهاية العام الماضي خلافا للشرعية و للملاءمة أعطت درسا حضاريا و حقوقيا فريدا أبانوا خلاله بأدب جم و وقار عظيم ، و كشفوا في معالجات قانونية رصينة حجم البشاعة و ما تم من عبث بمقتضيات القانون النظامي الصريحة و خاصة ( المواد 3 ، 22 ، 24 و ما بعدها من فصلها ) و الذي احدث انقلابا في جسم القضاء لا وجه لأي تأويل في القيام به ، مستهدفين بذلك حماية القانون و الانحياز لقطعي دلالاته ، و لم تكن ملاحظاتهم المدونة بخصوص بعض القوانين الصادرة أخيرا إلا بهدف تصويبها و تطهيرها من اختلالات ما كان للجهات التي أعدتها إلا أن تشكر و تحيي و تستفيد من تلك الجهود المجانية الرائعة بدل التمسك بقواعد مريبة لا تصادف حظا من المشروعية و لا تحترم القانون الأسمى و لا تنسجم مع القوانين الأخرى .
كما أن مذكرة العمل رقم 00014 الصادرة بتاريخ 05 ابريل 2016 عن وزارة العدل و التي تم بموجبها تحويل قضاة جالسين الى محاكم ادارية و الحال انهم يخضعون حصريا للنظام الاساسي للقضاء ( المادتين 1-54 ،3-54 فقرة اخيرة ن ا ق ) و لا يحق لغير المجلس الأعلى للقضاء أن يحولهم ( المادتين 4 ، 8 ن ا ق ) ، شكلت بالنسبة لتلك الآراء صدمة و مناسبة للتنبيه الى انها إجهاض لمبدأ الفصل بين السلطات ، و دق للمسامير في نعش الاستقلالية أس المكتسبات التي تشكل ضمانة للمتقاضي و اساسا للعدالة ، .
و الحقيقة أن الأخطاء الجسيمة و المتتالية و التي ما فتئت وزارة العدل ترتكبها أن على مستوى إدارتها للقضاة او على مستوى حركة التشريع استفزت إلى ان اسفرت عن جبين مشرق و ثراء موسر للقضاء الموريتاني ، و نفضت الغبار عن ما كان دفينا من كفاءات سامقة و مسؤولة حق لوزارة العدل ان تفخر بها و تتباهي و تهتدي بمصابيحها في احترام القانون و تحسينه ، و ان ترحب بإرشاد شراكة غاياتها تتسق و تتماشى مع ما يفترض في انه اهداف لوزارة العدل ، و ان تسعى بدل العذل و الملامة إلى تأطير كتاباتهم و تنميتها كنواة لمدرسة علمية و فقهية وطنية يجمع الفاعلون القضائيون على مسيس الحاجة إليها .
و الخلاصة أن للقاضي أن يعبر في حدود ما يسمح به القانون و بأي وسيلة شاء لا تتعارض مع القانون ، مع الحيطة التامة لما تمليه المحافظة على كرامته و استقلاليته ، و لن يتيه اذا ما تأسى في خطه و نهجه بصفحات المحاكم و قضاة العالم المنتشرة اليوم في الفيسبوك و التي باتت تشكل أفضل المكتبات و المراجع القانونية وفرة و تيسرا.