إعلانات

ملاحظات حول الوساطة الموريتانية في غامبيا/ بقلم محمد سالم الشيخ

ثلاثاء, 24/01/2017 - 17:46

لا مندوحة من الاعتراف أن الجهد الذي قامت به موريتانيا ممثلة في رئيسها لنزع فتيل الحرب أو التدخل العسكري في غامبيا و الذي كانت تنوي المجوعة الإفريقية القيام به ، جهد يذكر فيشكر و نجاح ديبلوماسي موريتاني مميز . إلا أنه مع ذلك يثير الكثير من الأسئلة المهمة، خصوصا أن هذه الوساطة قامت  بمشاركة من غينيا بيساوو و التي كانت من الدول التي ترى التحري و الانتظار من طرف المجموعة الإفريقية في مقابل  الدول التي كانت مصممة على دفع الرئيس جامي للتنحي أو التدخل العسكري و من ضمنها السينغال و نيجيريا ، فقد لعبت السينغال الجار الوحيد و الحصري لغامبيا دورا بارزا في الحشد العسكري و استطاعت استضافة الرئيس الجديد بل و قام بمراسيم التنصيب في سفارة غامبيا في داكار الشيء الذي انتج استقطابا ذا حدين :دول الاكواس و العالم مدعومة من قرار أممي يطالب جامي بالتنحي الفوري و يرخص للإكواس في التدخل إن  احتاج الأمر إلى ذلك ، في مقابل دول تريد حقن الدم الإفريقي و تريد نهاية سليمة ليحيى جامي و خروجا مشرفا له بكل ما سيخرج به من خيرات الشعب الغامبي و أمواله و دمائه.

تدعيم الديمقراطية و دعم غامبيا الجديدة :

منذ البداية سعت السينغال و دول الإكواس إلى دعم التغيير الديمقراطي في غامبيا حيث دعمت المعارضة منذ بداية الحملة الانتخابية نتيجة علاقاتها الباردة أو السيئة مع يحيى جامي المعروف بالمزاجية و الارتجالية في علاقاته مع جيرانه و خصوصا السينغال التي تعد الدولة الوحيدة الجارة لغامبيا و التي تربطها علاقات شد و جذب مع غامبيا و سبق لها التدخل 1981 لإفشال انقلاب عسكري فيها بعملية خاطفة دعمت بها حكم كايرابا جاوارا ، و قد اتسمت علاقاتها مع جامي بالشد و الجذب حيث  أهتم أكثر بعلاقاته مع موريتانيا و دعمها و اقام علاقات متميزة و صداقة حميمة مع الرئيس محمد ولد عبد العزيز و الذي هو الآخر مد له يد المساعدة بواسطة نفوذه و نفوذ الجالية الموريتانية في غامبيا و دورها الاقتصادي المميز في تلك الدولة ، و قد حافظت موريتانيا على المقاربة التي عمل عليها النظام زمن معاوية و هي محاولة معادلة الكفة مع السينغال بواسطة التحكم في  خاصرته الرخوة أي غامبيا و دعم الجبهة الانفصالية في كازاماس و إن كانت هذه المقاربة التقليدية نجحت ايام الأزمة في 1989 إلا انها لم تكن ناجعة في الفترات الأخرى و التي فرضت التقارب الموريتاني السينغالي خصوصا ايام أزمة انقلاب ولد عبد العزيز على سيدي ولد الشيخ عبد الله و المظاهرات التي قامت بها الجبهة الداعمة لسيدي آنذاك فلم يجد الرئيس الجديد آنذاك من دعم سوى في الجارة القريبة السينغال و التي قاد رئيسها وساطة افضت إلى اتفاق دكار الذي لم يطبق منه الرئيس الجديد سوى الانتخابات و لم يطالبه واد بسواها .

الوفاء للحليف و الإشراف على ترحيله :

منذ البداية دعمت موريتانيا حليفها يحيى جامي و الذي ساعدته مرات عديدة في تثبيت حكمه ( بل وصل الامر مرة إلى تدخل موريتانيا بقوات خاصة لإفشال انقلاب قبل فترة وجيزة حسب بعض المصادر الخاصة ) ، لذلك عندما قامت ازمة الانتخابات و اختار الشعب الغامبي في بادرة شجاعة و مفاجئة مرشح المعارضة و في اولى مواقفه اعترف جامي بنتيجة الانتخابات و عبر عن استعداده لتسليم السلطة للرئيس الجديد ، لكن فرحة المعارضة و نشوتها بالنجاح حدت ببعض رموزها للتصريح بإمكانية محاكمة جامي على جرائمه الكثيرة –و كانت خطوة استعجالية فجة – جعلت جامي يقلب ظهر المجن لكل اعترافاته و تصريحاته و يعلن عن عدم اعترافه بالنتائج . في تلك الأثناء ارسلت موريتانيا مبعوثا خاصا هو الوزير مولاي ولد محمد لغظف لجس نبض الأطراف فلم يستطع فتح قناة مع المعارضة الفائزة و بدت موريتانيا و كأنها تشجع جامي على التمسك بالسلطة و في نفس الوقت تضع نهاية لبعض الملفات الخاصة في غامبيا من خلال سحب الكثير من الوثائق لتعاملات مشتركة بين الرئيسين ربما لا يريدان إطلاع الراي العام عليها.

و عندما تفاقمت الأزمة و بعد التعامل الفج و الغير لائق الذي عامل به جامي وفد الوساطة الإفريقية و الذي لم يجلب له سوى عداوة و تصميم تلك المجموعة على إزاحته من الحكم و لو بالقوة ، و قد اتخذت مجموعة الأكواس كل التدابير اللازمة لذلك فاستضافت الرئيس الجديد و المعارضة الغامبية في السينغال و شكلت قوة للتدخل في حال رفض جامي للانصياع ، و كذلك استطاعة أن تجد دعما دوليا و قرارا من الأمم المتحدة ما جعلها تشكل عبئا ثقيلا و قوة سياسية كبيرة للضغط على جامي المشاكس و الذي رفض حتى تلك الاثناء مناقشة الرحيل بل اعلن حالة الطوارئ من خلال البرلمان و بدا الاستعداد لأسوأ الاحتمالات ، في تلك الفترة بدأت وساطة الرئيس الموريتاني  ولد هبد العزيز و التي بدت كآخر فرصة قبل التدخل من طرف الأكواس و التي ما لبثت ان انضم لها الرئيس البيساوي  كوندي و قاد الرجلان وساطة اللحظة  الاخيرة و التي أفضت إلى ترحيل جامي إلى غينيا الاستوائية و التي اختارها عن الدول الأخرى لأنها توافق مزاجه و غير موقعة على المحكمة الدولية و لها حكم منذ عقود من الزمن و لا تهتم كثيرا بصرعات الديمقراطية الجديدة .

موريتانيا بين الربح و الخسارة :

  وفق الرئيس الموريتاني في وساطته فاستطاع من خلالها أن يحقن الدماء كما قال و أن ينتصر دعاة السلم على دعاة الحرب في إشارة غير مباشرة إلى دول الأكواس ، إضافة إلى الرئيس الغيني فقد تمكنا من ترحيل الرئيس جامي من غامبيا في ظروف صعبة و بعد مفاوضات مضنية مع رئيس غريب الأطوار تركه الكثير من معاونيه و مقربيه و لم يستطع أن يستسيغ الأمر بسهولة .. فعلا تمكن الرئيس الموريتاني من دعم حليفه السابق و تمكن كذلك من تنظيف بقايا المسار الثنائي المشترك بين الرجلين –ذكرت مصادر أن كراتين كبيرة و كثيرة من وثائق الأمن  الغامبي تم إرسالها إلى موريتانيا – و قد تم استغلال اللحظة و اعطائها زخما سياسيا و دعائيا كبيرا في موريتانا حاول البعض أن ينسي المواطن العادي في الإخفاقات التي يمر بها النظام خصوصا أمام عجره عن التغييرات الدستورية و عن تحقيق الكثير من التعهدات التي وعد بها الرئيس و لم يتمكن حتى اللحظة من تحقيقها ، فوجد الكثير من داعمي الرئيس الفرصة مناسبة لإبراز الحدث و المطالبة بجائزة نوبل للسلام للرئيس عزيز.

لكن و رغم ذلك النجاح فقد خرجت موريتانيا من الأزمة بخيبة كبيرة ، فقد تدخلت قوات الأكواس في اليوم الموالي في بانجول لفرض واقع أمني جديد يمكن من تنصيب الرئيس الجديد و الذي ابان أن الدور الكبير في الحل قد لعبيته القوات التي كانت تحاصر غامبيا و هي التي اقنعت جامي بالرحيل ، فبدى ان النظام الجديد في غامبيا سيسير في فلك المعسكر الذي كان يريد المحافظة على الديمقراطية و خيار الشعب الغامبي و الذي أهتم أكثر بمستقبل غامبيا و الواقع الجديد فيها أكثر من اهتمامه بديكتاتور يلفظ انفاسه الأخيرة .. لقد فقدت موريتانيا العلاقة المميزة مع غامبيا – على الاقل في هذه الفترة –  فقدت نقطة أساسية في معادلة القوى مع السينغال و لعل ذلك هو سبب الحشد الكبير و التصعيد الذي قام به الكثير من مدوني النظام و داعميه ضد السينغال و ضد التدخل الذي قامت به الأكواس في غامبيا و الذي رحب به الشعب و الجيش في غامبيا لكننا في موريتانيا نظرنا له بالكثير من الريبة .

لقد قامت موريتانيا بمجهود من أجل السلم و من أجل تجنيب المنطقة لويلات تدخلات عسكرية هي في غنى عنها و ربما من أجل أمور  أخرى ، و هو مجهود يذكر فيشكر ، و هو بادرة طيبة للديبلوماسية الموريتانية( بقيادة السيد الرئيس ) و هي في محاولاتها الأولى ، و إن لم تحقق كل ما تريد فقد حققت أشياء مهمة فما لا يدرك كله لا  يترك كله ، و قد تمثل نجاحها الكبير في أن جامي حتى الآن قد تفادى نهاية اغباغبو و القذافي الذين شاركت بلادنا في لجان الوساطة في بلديهما ، إلا أنه كذلك لم يضمن البراءة الكلية من المتابعة فالاتفاق وقعت فيه الكثير من الأخطاء و خصوصا غياب الضمانات الحقيقية و غياب موافقة الطرف الغامبي المعني بالأمر ، فجاء كتلك الاتفاقات التي تهتم بنقطة واحدة و تصير النقاط الأخرى مخصصة للاستهلاك الإعلامي فقط . و مع ذلك ستحاول بعض الأطراف جعله أنموذجا أو استمارة جاهزة لكل رئيس يريد مغادرة الحكم و الاحتفاظ بحصانة ضد المتابعة أو المحاكمة له و لنظامه .. فهل ستنجح في ذلك ؟؟؟؟؟