إعلانات

تداعيات حديث عن الراحلين الكبار ...... الدكتور : ناجي محمد الإمام

ثلاثاء, 15/03/2016 - 15:26
الدكتور الشاعر الباحث : ناجي محمد الإمام

لعلاَّمة العصر شيخنا محمد سالم تغمده الله برحمته جاذبية لا تقاوم مع بساطة مظهر و سلاسة حديث و قرب مأخذ و عمق مقصد وقدرة لا تضاهى على مخاطبة كلٍّ بما يليق به و يفيده ويأنس إليه ، وبهذا نال انجذاب قلوب العامة وعقول الخاصة إلى شحصيته الفذة وعلمه الزاخر، ولقد شهدته مع الملوك و الرؤساء و القادة والامراء ..ومع البسطاء من الرعاع و المشاكسين من المفكرين والأدباء والمترفعين من المحدثين والمفتين والعلماء ، فكان واسطة العقد والعالم الفرد في أندائهم و دواوينهم دون مباهاة ولا محاباة ..

ابتعثتني الدولة مرة لتحضير التوقيع على وثيقة الخطة العربية الموحدة للتنمية الثقافية العربية في دمشق سنة1987 في أول مهمة رسمية أكلف بها في بدايات تدرجي وكنت مستشارا لوزير الثقافة ،على علو كعبه ،وتدني مستواي و صغر سني و انعدام تجربتي ، خصوصا أن عهدي بالتخندق الإيديولوجي قريب، وكذلك العهد بالسجن و التنكيل، وفي دمشق الفيحاء حططت رحالي بأفخم فنادقها "الشام" ،أيام اشتداد الحصار الإقتصادي على قلب العروبة النابض بالرفض ، العاض على جمر القضية، المتميز في مسيرته العلمية والإقتصادية، والقطر العربي السوري يسير ببطء، ولكن بصلابة ،على درب الإكتفاء الغذائي و الدوائي ويصعد متدرجا في صناعات وطنية ينقصها الكثير وتسدُّ الكثير ... ورغم انقطاعات الكهرباء التي كانت تستمرلساعات، فقد كانت الأغذية وفيرة وبأسعار متهاودة ،و كان فخري كبيرا ،وأنا أرى السائح الغربي يشتري المنسوجات الرائعة السورية ليخيط منها ملابسه في عواصم الغرب...
شاركتُ في وضع اللمسات الأخيرة على الخطة وبدأ وصول وزراء الثقافة العرب للتوقيع وذات مساء جمعني عشاء بسمو الامير فيصل بن فهد بن عبد العزيز رئيس رعاية الشباب المكلف بالثقافة في المملكة العربية السعودية تغمده الله بنعيمه المقيم ..فكانت صدفة ستبقى مفاعيلها ما دمت حيا ، ولما وصل العلَّامة كنت قد حضرت كليهما للقيا الآخر ، فنمتْ بينهما علاقة مودة وإعجاب وبيني معهما علاقات لا يغلبها الدهر.. وتلك قصة موطنها المذكرات إن شاء الله وفاء لعهدهما وإيفاء لحقهما ..
عليهما من ربهما الرحمة والرضوان,,

كان علامة العصر كلما رأى الأمير قال لي صاحبك هذا يذكرني بقول الأخطل:

* لذ تقبله النعيم كأنما * مسحت ترائبه بماء مذهب *

ينظرن من خلل الستور إذا بدا * نظر الهجان إلى الفنيق المصعب * *

خضل الكياس إذا تنشى لم تكن * خلفا مواعده كبرق الخلب * *

وإذا تعوورت الزجاجة لم يكن * عند الشراب بفاحش متقطب *

وإتماما للفائدة فإن الأبيات من رائعة عدتها ستة عشر بيتا مدح بها الشاعر 
غياث بن غوث بن الصلت بن طارقة ابن عمرو من بني تغلب، أبو مالك المعروف بالأخطل ،العباس بن محمد بن عبد الله بن العباس رضي الله عنه فأعطاه ألف دينار وكان يقال له المذهب لجماله. روي أنه خرج على فرس له وعليه مطرف خز فأشرفت امرأة فنظرت إليه فقالت: ما أحسن هذا فتقطر به فرسه فمات.
وهذا نص القصيدة وهي من عيون شعر العصر الأموي الباذخ....

بانَ الشَبابُ وَرُبَّما عَلَّلتُهُ بِالغانِياتِ وَبِالشَرابِ الأَصهَبِ

وَلَقَد شَرِبتُ الخَمرَ في حانوتِها وَلَعِبتُ بِالقَيناتِ عَفَّ المَلعَبِ

وَلَقَد أُوَكَّلُ بِالمُدَجَّجِ تُتَّقى بِالسَيفِ عُرَّتُهُ كَعُرَّةِ أَجرَبِ

يَسعى إِلَيَّ بِبَزَّهِ وَسِلاحِهِ يَمشي بِشِكَّتِهِ كَمَشيِ الأَنكَبِ

وَلَقَد غَدَوتُ عَلى التِجارِ بِمِسمَحٍ هَرَّت عَواظِلُهُ هَريرَ الأَكلُبِ

لَذٌّ تُقَبَّلَهُ النَعيمُ كَأَنَّما مُسِحَت تَرائِبُهُ بِماءٍ مُذهَبِ

لَبّاسُ أَردِيَةِ المُلوكِ يَروقُهُ مِن كُلِّ مُرتَقَبٍ عُيونُ الرَبرَبِ

يَنظُرنَ مِن خَلَلِ السُتورِ إِذا بَدا نَظَرَ الهِجانِ إِلى الفَنيقِ المُصعَبِ

خَضلُ الكِئاسِ إِذا تَنَشّى لَم تَكُن خُلُفاً مَواعِدُهُ كَبَرقِ الخُلَّبِ

وَإِذا تُعُوِّرَتِ الزُجاجَةُ لَم يَكُن عِندَ الشَرابِ بِفاحِشٍ مُتَقَطِّبِ

إِنَّ السُيوفَ غُدُوَّها وَرَواحَها تَرَكَت هَوازِنَ مِثلَ قَرنِ الأَعضَبِ

وَتَرَكنَ عَمَّكَ مِن غَنِيٍّ مُمسِكاً بازاءِ مُنخَرِقٍ كَجُحرِ الثَعلَبِ

وَتَرَكنَ فَلَّ بَني سُلَيمٍ تابِعاً لِبَني ضَبينَةَ كَاِتِّباعِ التَولَبِ

أَلقوا البِرينَ بَني سُلَيمٍ إِنَّها شانَت وَإِنَّ حَزازَها لَم يَذهَبِ

وَلَقَد عَلِمتُ بِأَنَّها إِذ عُلِّقَت سِمَةُ الذَليلِ بِكُلِّ أَنفٍ مُغضَبِ

وَالخَيلُ تَعدو بِالكُماةِ كَأَنَّها أُسدُ الغَياطل من فوارس تغلب .