إعلانات

قصة من قصص الزمن الجميل

جمعة, 25/12/2015 - 15:24
ورقة من فئة ألف أوفية

نهضت صباحا إلى سوق انواذيبُ الوحيد في تلك الأيام، مرورا بمركز البريد حيث كنت أحرص على تفقد صندوق بريد لبعض الأقارب كانت رسائلي تأتي عبره، وما زلت أذكر رقمه رغم عجزي الذهني عن تذكر الأرقام (133) لكني لا أذكر أوجدت فيه جديدا يومئذ.
اتجهت غربا إلى السوق عبر شارع يمر بين المصرف الليبي (مصرف شنقيط الآن) والشركة الموريتانية للبنك (SMB من المصارف التي اختفت) عند الباب الجنوبي للأول وعلى مقربة من الثاني. زحمة المرور خانقة كعادتها في ذلك الوقت، وأشخاص على ناصية الشارع بانتظار أن تواتي فرصة للعبور، من بينهم رجل ممشوق القوام ينظر يمينا ويسارا بقلق، وفجأة اندفع بين السيارات شبه المتوقفة جراء الزحام.
سقطت كتلتان دون أن ينتبه إليهما أحد ممن حوله، ربما لانشغالهم بالبحث عن منفذ للعبور، وعند ما وصلت إليهما إذا بهما نقود! إحداهما مائة ألف أوقية بشهادة غلافها الذي لم يفضض ختامه، والثانية رزمة أكبر حجما والله أعلم بمبلغها.
أخذتهما خلسة وسدلت كمي عليهما وعبرت بسهولة فصفرت لتنبيهه مرارا إلى أن التفت فنظر إلي ثم حث خطاه وحثثت خطاي إثره.
اقترب الرجل من حراك سوق محفوظ الوليد وخفت أن يختفي قبل اللحاق به فعاودت الصفير حتى التفت إلي فأشرت إليه أن إياك أعني واستلبثته بإشارة يدوية فوقف ضجرا متحيرا من شأني.
وصلت إليه فسلمت فلم يأبه بسلامي فاختصرت الوقت بإبراز ماله قائلا: هذا سقط عليكم، وحسبت الأمر انتهى. لكن الرجل فغر فاه واتسعت حدقاته وخلته حبس أنفاسه، وأمضى حوالي دقيقة كذلك ينظر إلي تارة وإلى نقوده أخرى حتى كدت أضع له النقود على سيارة متوقفة هناك وأذهب. وأخيرا دبت الحياة فيه وأخذ النقود دون تعليق سلبي ولا إيجابي، وبعد ما استدرت سمعته قال: لو وجد هذا غيرك.. ولعله لم يكمل الجملة.
بعد شهور لقيته في جماعة فعرفني دون تفكير، وسألني عن نفسي وأمري فأخبرته، وقص على جلسائه القصة موضحا أنه سحب من المصرف سبعمائة ألف أوقية فلم تسعها جيوبه جميعا فوضع باقيها في باطن دراعته إزاء صدره، وضم إليه ثوبه أسفل منها، لكنه انشغل بالعبور فنسي الخبء وأرسل يديه فكان ما كان.
وكان عجبه أكبر من شاب جاء من بعيد بحثا عن النقود يعثر على ما يساوي أجره أزيد من ثلاث سنوات فيطارد به صاحبه لتسليمه إليه.

نقلا صفحة الأستاذ: محمد سالم ابن جد